أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا. ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد. فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها (1)، وإن ربا الجاهلية موضوع وإن أول ربا أبدأ به ربا العباس بن عبد المطلب، وإن دماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة (2) بن الحارث بن عبد المطلب (3) و إن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية. والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير، فمن ازداد فهو من الجاهلية. (4)
(1) أي فليؤدها إلى صاحبها. (2) في اكثر نسخ الحديث [ حارث بن ربيعة ]. (3) كان عامر بن ربيعة مسترضعا في بنى سعد فقتله بنو هذيل في الجاهلية فأبطل النبي صلى الله عليه وآله الطلب بدمه في الاسلام ولم يجعل لربيعة – أبيه – في ذلك تبعة. وانما بدأ صلى الله عليه وآله بابطال الربا والدم من أهله وأقربائه ليعلم أنه ليس في الدين محاباة. (4) المآثر جمع المأثرة وهى الاثر والفعل والعمل المتوارثة السدانة الخدمة السادن بكسر الدال: خادم الكعبة. والسقاية: موضع السقى. والقود محركة القصاص. والجاهلية هي حالة الناس قبل الاسلام. وكانت أمة العرب في هذا العصر في حالة انحطاط وانحلال من حيث الديانة والمدنية والفضائل والاخلاق، فلم تكن لها ديانة حنيفية ولا وحدة قومية ولا رابطة وطنية ولا أصل من الاصول التى ترتكز عليها الفضائل الانسانية، يعبدون الاصنام ويسفكون الدماء ويأكلون الربا ويفعلون الفواحش ويقولون قول الزور ويأكل القوى الضعيف، فهى فوضى في العقائد، فوضى في الاخلاق، فوضى في المعاش. لا تدين غير الوثنية وكانت لكل قبيلة منهم آلهة خاصة، كانوا مغرمين بشرب الخمر وبلعب الميسر والتفاخر بالآباء وتزويج الرجل من النساء بقدر ما تسمح له وسائله المعيشية وتزويج نساء الاب. ودفن البنات حيا والمطالبة بالثار عندهم لا تقف عند حد حتى ان لم يظفر الرجل بغريمه انتقم من أحد أقربائه وربما يقنع بالدية للقتيل بمال كثير على قدر شرف المقتول وغير ذلك من المآثر السخيفة والعادات القبيحة. ولما كانت مكة عاصمة بلاد العرب وكان بناء البيت فيها، كانت توليتها وأمر البيت تنقسم بالسدانة والحجابة والسقاية والرفادة والقيادة والندوة واللواء وغيرها ويتوارثون كابرا عن كابر ويفتخر الرجل بها ويقول: أنا أفضل لان حجابة البيت مثلا بيدى كما يفتخر بالحسب والنسب وبالمال وبكثرة الاولاد والعشيرة ويهتمون بها اهتماما عظيما حتى بعث الله نبيه صلى الله عليه وآله فأبطلها ومحاها. (*)