الرئيسية / الاسلام والحياة / خطوط عامة من سيرة الأئمة عليهم السلام

خطوط عامة من سيرة الأئمة عليهم السلام

الأئمة عليهم السلام والشعراء

 

لقد كان الشعراء في زمن الأئمة عليهم السلام بمثابة الإعلام في عصرنا، فلهم التأثير القوي على الرأي العام، ومنهم الشعراء المخلصون بكلمتهم لأهل البيت، ومنهم من باع دينه وضميره ولسانه للحكّام الفاسدين الظلمة.

 

ومن الشعراء الشجعان، الذين يقولون الكلمة الحقّة ولو على حساب مصالحهم الفرزدق، يقول القائد دام ظله:

 

“… ويمكن اعتبار شعر الفرزدق نموذجاً آخر (للتحدي والقوة والثورة)، فقد نقل المؤرخون والمحدثون هذه الحادثة (ما ملخصها):

 

عندما قدم هشام بن عبد الملك قبل فترة خلافته إلى الحج وأثناء الطواف أراد أن يتقدم لاستلام الحجر الأسود ولكن العدد الهائل والازدحام الكبير منعه من الوصول.

 

8- بحار الأنوار، ج‏75، ص‏132.


رغم محاولته المتكررة مع أنه كان ابن الخليفة ومحاطاً بالمرافقين والحواشي ولكن الناس كانوا يمرّون من حوله بدون اكتراث. فيئس من استلام الحجر وقعد جانباً منتظراً انصراف الناس، وكان أصحابه جالسين حوله.

 

وفي هذه الأثناء يأتي رجل يعلوه الوقار والهيبة سيماه سيماء الزاهدين ووجهه وجه الملكوتيين يسطع من بين الحجاج كالشمس فتنحّى الناس له جانباً ليمر من بينهم ويصل إلى الحجر الأسود فيقبّله ثم يرجع للطواف مجدّداً.

 

فصعب ذلك على هشام كثيراً، وهو يرى نفسه ابن الخليفة ولا أحد يعطيه قيمة بل يبعدونه بالركل والمطاحنة، ثم من جانب آخر يظهر رجل يصل إلى الحجر الأسود بكل هدوء.

 

فسأل غاضباً من هذا؟ وكان حواشيه يعرفون أنه علي بن الحسين‏عليه السلام ولكن لئلا يغضب منهم لم يقولوا شيئاً لأنهم يعلمون بوجود العداء المتجذر بين بني أميّة وبني هاشم فلم يريدوا أن يقولوا أن هذا كبير العائلة المعادية لكم والناس يظهرون له كل هذا الحب والاحترام لأنهم اعتبروا ذلك نوعاً من الإهانة لهشام.

 

كان الشاعر الفرزدق من المحبين لأهل البيت حاضراً هناك وقد رأى تجاهلهم وإنكارهم لعلي بن الحسين عليه السلام فتقدم قائلاً: أيها الأمير، هل تسمح لي بأن أعرّفك عليه.

 

فقال هشام: قل، فانطلق لسان الفرزدق بقصيدة من أشهر القصائد الشعرية التي قيلت بحق أهل البيت عليهم السلام، وبدأها بهذا البيت:

 


هذا الذي تعرف البطحاء وطأته‏

                                     والبيت يعرفه والحل والحرم‏

 

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله‏

                                     بجدّه أنبياء اللَّه قد ختموا

 

وكانت أبيات هذه القصيدة كوقع السيوف على قلب هشام فغضب منه وطرده، من جانب آخر أرسل إليه الإمام عليه السلام مالاً فلم يقبله وقال: “ما قلته للَّه لم أرد منه مالاً…”.

 

هذا مثال الشاعر المبدأي الذي لا يبيع دينه ولسانه، وهناك الشعراء الذين ينطبق عليهم قول اللَّه تعالى:

 

“وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ *  أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ”9.

 

يقول القائد دام ظله في هذا الصنف من الشعراء:

 

“… كان شعراء بني العباس يحاولون إثبات حق الحكم لبني العباس استناداً إلى الأدلة نفسها التي يقدمها عادة الطامعون إلى السلطة والمتشبثون بكرسي الحكم، ويقف شعراء الشيعة مقارعين لحججهم مستدلين على زيف الحكم العباسي من منطق إسلامي، يقوم على أساس رفض الظلم والإجرام والخيانة بحق الأمة الإسلامية، وللحجاج الشعري بين العباسيين والعلويين أهمية في هذا المجال، لما كان ينهض الشعر آنئذ من دور كبير في التعبير عن العواطف والأفكار ولما كان يؤديه في القاعدة الشعبية من تأثير.

 

يذكر صاحب كتاب “العباسيون الأوائل” دور الأدب في القرنين

9- الشعراء:224-225-226.

 


الأول والثاني فيقول: “… كان الأدب يؤثر في النفوس ويكسب عواطف الناس وميولهم إلى هذه الفئة أو تلك، وكان الشعراء والخطباء بمثابة جريدة العصر، يعبِّر كل منهم عن رأي سياسي ويدافع عن حزب معين، مبرزاً الدليل تلو الدليل على صحة دعواه، مفنّداً آراء الخصوم بكلام مؤثر وأسلوب بليغ”10.

 

شعراء البلاط العباسي كانوا يجتهدون في إثبات حق العباسيين في الخلافة، باعتبار ارتباطهم بالنبي عن طريق العمومة، مستدلين على ذلك بأن الإرث لا ينتقل إلى أبناء البنت مع وجود الأعمام. فالخلافة بعد النبي من حقّ العباس عم النبي ومن بعده أبناؤه من بني العباس.

 

قال مروان بن أبي حفصة:

 

أنّى يكون وليس ذاك بكائن‏

                           لبني البنات وراثة الأعمام‏

 

وقال أبان بن عبد الحميد اللاحقي:

 

فأبناء عباس هم يرثونه‏

                          كما العمُ لابن العم في الإرث قد حجب‏

 

وقد كان أهل البيت عليهم السلام يهاجمون الشعراء الداعمين والمادحين للظلمة، يقول القائد دام ظله:

 

“اتجهت مدرسة أهل البيت عليهم السلام فيما اتجهت إلى تقريع أولئك الذين باعوا ذممهم من العلماء والشعراء، في محاولة لايقاظ ضمائرهم أو ضمائر أتباعهم من عامة الناس”.

10- العباسيون الأوائل، د. فاروق عمر، ص‏104.


نرى الإمام يقول للكميت الشاعر مؤنباً: “امتدحت عبد الملك؟ قال: ما قلت له يا إمام الهدى، وإنما قلت يا أسد، والأسد كلب، ويا شمس، والشمس جماد، ويا بحر، والبحر موات، ويا حيّة، والحيّة دُويبة منتنة، ويا جبل، وإنما هو حجر أصمّ.

 

فتبسم الإمام وأنشد الكميت بين يديه:

 

من لقلبٍ متيم مستهام غير ما صبوةٍ ولا أحلام‏

 

وبهذه الميمية يضع الحد الفاصل بين الاتجاه العلوي والأموي في المكانة والسيرة في صورة فنية رائعة خالدة…”.

 

 

https://t.me/wilayahinfo

شاهد أيضاً

ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ٢٢١ – ٢٤٠

ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ٢٢١ – ٢٤٠ *  *  * ٢٢١ الأسئلة ...