وصية الإمام الخميني(قده) إلى السالكين
20 أبريل,2022
زاد الاخرة
458 زيارة
2- بمكن أن تكون (الآية) خطابا للأشخاص الذين أوصلوا الإيمان إلى قلوبهم، فكثيرا ما يكون الإنسان بحسب الظاهر مؤمنا معتقدا بالشهادتين لكن قلبه لا علم له بذلك، يكون عالما معتقدا بالأصول الخمسة إلا أن هذا العلم لم يصل إلى قلبه..
من هم جميعا كذلك..
المعاصي التي تصدر من بعض المؤمنين منشؤها هو هذا.. إذا كان القلب مطلعا على يوم الجزاء والعقاب الكذائي (المرعب) وقد آمن بذلك، فإن
صدور المعصية والتمرد منه بعيد جدا..
الشخص الذي آمن قلبه بعدم وجود إله إلاّ الله لن يميل إلى غير الحق تعالى ومدح الآخرين، ولن يخاف ويحذر غيره..
بني:
أحياناً أرى أنك تظهر الإنزعاج والقلق من التهم المؤلمة وترويج الشائعات الكاذبة..
أولاً: يجب أن أقول لك.. ما دمت حياً وتتحرك ويراك الآخرون منشأ تأثير فإن الإنتقاد والتهمة واختلاق الشائعات ضدك أمور لا يمكن اجتنابها..
العُقد كثيرة.. والتوقعات المتزايدة وألوان الحسد كثيرة..
من كان له دور فاعل حتى إذا كان لله مائة بالمئة فلن يمكنه أن يكون بعيداً عن تجريح أصحاب الأهواء السيئة.
أنا شخصياً أعرف عالماً جليلا تقيا، لم يكن يقال عنه طيلة الفترة التي سبقت وصوله إلى رئاسة جزئية إلا الخير -نوعاً ما- وتقريباً كان مقبولاً عند أهل العلم وغيرهم.
بمجرد أن توجهت النفوس إليه وحصل على مكانة دنيوية، ولو أنها لا تكاد تذكر بالنسبة إلى مقامه (المعنوي)، أصبح مورداً للتهمة والأذى وأنواع الحسد
وغلت (مراجل) العقد ضده، وظل حاله كذلك طيلة الفترة التي أمضاها على قيد الحياة..
وثانياً: يجب أن تعلم أن الإيمان بوحدة الإله ووحدة المعبود ووحدة المؤثر لم يصل -كما ينبغي -إلى قلبك..
إبذل الجهد لتصل كلمة التوحيد -التي هي أعظم كلمة وأسمى جملة -من عقلك إلى قلبك.. فإن حظ العقل هو ذلك الإعتقاد البرهاني الجازم.. وإذا لم يصل حاصل هذا البرهان بالمجاهدة والتلقين إلى القلب فإن فائدته وأثره لا يكادان يذكران..
كثيراً ما يكون بعض هؤلاء، أصحاب البرهان العقلي والاستدلال الفلسفي أكثر من غيرهم في شَرَك إبليس والنفس الخبيثة “أرجُل الاستدلاليين خشبية” (7- *ترجمة صدر بيت لمثنوي وترجمة عجزه: والأرجل الخشبية لا يقر لها قرار.). ولا تتبدل هذه الخطوة البرهانية والعقلية بخطوة روحانية وإيمانية إلا عندما تصل من أفق العقل إلى مقام القلب ويقبل القلب ما أثبته الإستدلال العقلي..
بني:
عليك بالمجاهدة لتودع القلب عند الله، ولا ترى مؤثراً غيره.. أوليس عامة المسلمين المتعبدين يصلون في اليوم والليلة عدة مرات -والصلاة زاخرة بالتوحيد والمعارف الإلهية ويقولون عدة مرات في اليوم والليلة
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}(الفاتحة/5). ويتلفظون أن العبادة والإعانة مختصتان بالله..
إلاّ أنهم بتذللون ويتزلفون لكل عالم وقوي وثري، إلاّ المؤمنون بحق وخواص الحق سبحانه.
وأحياناً يأتون بأكثر مما يأتون به للمعبود.. ويستمدون العون من كل شخص ويتمسكون بكل قشة من أجل آمالهم الشيطانية وهم غافلون عن قدرة الحق..
بناءً على هذا الإحتمال: أن يكون مورد الخطاب متوجهاً إلى الأشخاص الذين وصل الإيمان إلى قلوبهم، فإن أمر هؤلاء بالتقوى له فروق عن الإحتمال الأول..
هذه التقوى ليست التقوى عن الأعمال غير اللائقة. إنها التقوى عن التوجه إلى غيره.. تقوى عن الاستمداد من غير الحق والعبودية لغيره..
تقوى عن فسح المجال لغيره جلّ وعلا إلى القلب، تقوى عن الإتكال والإعتماد على غيره..
هذا الذي ترى أننا -نحن وأمثالنا- مبتلون به، ويؤدي إلى خوفي وخوفك من الشائعات ونشر الأكاذيب والخوف من الموت والتحرر من الطبيعة وإزالة الخرقة هو من هذا القبيل الذي يجب الإتقاء منه..
وفي هذه الصورة فإن المراد من {..وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ
مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ..}(الحشر/18) الأفعال القلبية التي لها في الملكوت صورة، وفوق ذلك أيضا صورة.. والله خبير بخطرات قلوب الجميع..
وهذا لا يعني أن يترك الإنسان الفعالية ويهمل تربية نفسه، ويجتنب كل شخص وكل شيء ويختار العزلة.. على خلاف السنة الإلهية والسيرة العملية لحضرات الأنبياء العظام والأولياء الكرام..
هم عليه صلوات الله وسلامه.. بذلوا في سبيل الأهداف الإلهية والإنسانية كل الجهود اللازمة.. ولكن لا على شاكلتنا نحن عميَ القلوب الذين ننظر إلى الأسباب على نحو الاستقلال..
بل كانوا يعتبرون كل شيء في هذا المجال -وهو من مقاماتهم العادية- منه جل وعلا..
وكانوا يرون الإستعانه بكل شيء استعانة بالمبدأ.. وأحد الفوارق بينهم وبين الآخرين هو هذا.. أنا وأنت وأمثالنا ننظر إلى الخلق والإستعانة بهم غافلين عن الحق تعالى..
وهم كانوا يرون الاستعانة به في الواقع، حتى إذا كانت في صورة الإستعانة بالأدوات والأسباب وكانوا يرون الحوادث منه رغم أن الأمر في الظاهر عند أمثالنا غير ذلك..
ومن هنا فإن الحوادث مهما كانت منغصة فإنها كانت عندهم هنيئة..
2022-04-20