الوقت– مر أكثر من أسبوعين على بدء الهجوم البري واسع النطاق للجيش الصهيوني على غزة، ولا تزال الحرب مستمرة في مناطق مختلفة من هذه المنطقة، خلال هذه الفترة، كان التقدم العسكري للصهاينة بطيئًا للغاية، ومفاجآت ساحة المعركة الآن جعلت القادة الصهاينة يتحدثون عن إمكانية إطالة أمد الحرب، على عكس الأيام الأولى للهجوم.
لكن ما جذب الاهتمام خلال الأيام القليلة الماضية أكثر من أي شيء آخر من مقاطع الفيديو التي تم الحصول عليها من ساحة المعركة هو الإستراتيجية الإبداعية لقوات المقاومة، حيث يظهر المقاومون كأشباح خلف المعدات العسكرية الثقيلة للعدو ومن ثم يقومون بتدميرها بواسطة قاذفات الصواريخ، ويختفون مرة أخرى.
وسط الرقابة الإعلامية الشديدة للصهاينة، لا يُعرف العدد الدقيق للتدمير للدبابات وناقلات الجنود وغيرها من الآليات الثقيلة للعدو، ولا يُعرف حجم الضحايا والأضرار التي لحقت بمعدات جيشهم، والإحصائيات الوحيدة المتاحة هي ما يتعلق ببيانات المقاومة التي تعلن يومياً عن نجاح تدمير معدات العدو، ويوم السبت فقط، أعلنت كتائب القسام التابعة للجناح العسكري لحركة حماس، أن مقاتلي هذه المجموعة استهدفوا 25 آلية عسكرية إسرائيلية خلال 48 ساعة.
وقال أبو عبيدة المتحدث باسم كتائب القسام في رسالة مسجلة إنه منذ بدء العملية البرية الإسرائيلية في غزة يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول، قام مقاتلو المقاومة “بتدمير أكثر من 160 مركبة عسكرية إسرائيلية“.
وأشار أبو عبيدة إلى أن “المعركة بين المقاتلين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي غير متكافئة، لكنها لا تزال تخيف الجيش الإسرائيلي”.
وقال: “مقاتلونا يخرجون من الأرض والسماء ومن تحت الركام لتدمير المدرعات والدبابات”.
على الجانب الآخر من الأراضي المحتلة والمحور الآخر للحرب في الجبهة الشمالية، تنشغل قوات حزب الله اللبناني أيضاً بمطاردة الدبابات الإسرائيلية باهظة الثمن بشكل يومي، وتشير التقارير إلى أن المقاومة دمرت خلال الأسبوعين الماضيين العشرات من الدبابات الإسرائيلية، وخسرت دبابات من هذا النوع على حدودها الشمالية.
أظهر شريط فيديو نشره حزب الله، اليوم السبت، دبابتين إسرائيليتين تتقدمان في منطقة “الشجرة”، حيث استهدفهما المقاومون قبل أن يتم تدميرهما بصواريخ مضادة للدروع.
من ميركافا إلى باراك؛ الدبابات الإسرائيلية المتقدمة في ساحة المعركة
خلال معارك الكيان الصهيوني في السنوات السبعين الماضية، اعتمدت “إسرائيل” في أسلوبها وتكتيكاتها في استراتيجية الحرب السريعة على ازدواجية الطائرات والدبابات.
وعمل هذا الكيان في العقود الأولى من وجوده على خلق عقيدة عسكرية فعالة ضد الجيوش العربية، في هذه الأثناء، ظهر اسم الجنرال “يسرائيل تال”، وكان تال أحد اليهود الذين تطوعوا في الجيش البريطاني والكتيبة اليهودية في إيطاليا خلال الحرب العالمية الثانية قبل أن ينضم إلى عصابة الهاغانا الصهيونية عام 1946 ثم جيش الاحتلال بعد عام 1948، وأدرك تال من تجربته في المعارك أن الدبابات ستلعب دوراً محورياً في حسم المعركة مع العرب، وتحققت رؤيته بالفعل في حرب 1967 التي لعبت فيها الدبابات دوراً محورياً وأدت إلى أسوأ هزيمة عسكرية للعرب في القرن العشرين.
وفي نهاية السبعينيات ولدت دبابة “الميركافا” من خطط تال ودخلت الخدمة عام 1979، وبعد نجاح هذه الدبابة في حرب الاحتلال العسكري للبنان في حزيران/يونيو 1982، وبالانتصار على الجيش السوري، والتي تستخدم دبابات تي 72 السوفيتية، ومنذ تلك اللحظة أصبحت الميركافا جوهرة جيش كيان الاحتلال، والتي تنتج منها أجيال جديدة باستمرار. منذ هذه الفترة، سرعان ما أصبحت الدعاية المكثفة حول تفوق ميركافا كدبابة لا تقهر هي ادعاء وسائل الإعلام والسلطات العسكرية والسياسية الصهيونية.
الأجيال المتقدمة من دبابة الميركافا هي الجيل الرابع والخامس، تفتقر الأجيال الأقدم من الميركافا إلى التطوير الذي حدث في محركات الجيل الثالث والرابع لضمان رشاقة أكبر للدبابة وزيادة قدرتها من 900 إلى 1200 حصان.
وحسب موقع المصنع العسكري، تمتلك ميركافا 4 مدفعًا رئيسيًا عيار 120 ملم ورشاشًا عيار 12.7 ملم، ودرعًا فولاذيًا أقوى من الإصدارات السابقة ونظاماً رقميًا متطورًا لإدارة الحرائق.
وحسب هذا الموقع، فإن ميركافا-4 توضع ضمن فئة الدبابات الثقيلة، ويصل وزنها إلى 66 طناً مع طاقمها ومعداتها، وسرعتها 46 كيلومتراً في الساعة، ومداها 400 كيلومتر، وطولها 8.6 أمتار، وعرضها 3.7 أمتار، ويبلغ ارتفاعها حوالي 2.7 متر.
ويطلق على الجيل الخامس والأكثر تقدما من دبابات ميركافا الإسرائيلية اسم “باراك”، وتحتوي دبابة “باراك” على أنظمة إلكترونية طورتها العديد من شركات الدفاع الإسرائيلية، بما في ذلك “إلبيت”، و”رافائيل”، وشركة “إلتا” التابعة لصناعات الفضاء الإسرائيلية، وغيرها.
ومن المعدات المتطورة لهذه الدبابة يمكن ذكر العناصر التالية: 1- أجهزة استشعار متطورة لتحديد الأهداف وتبادل المعلومات الاستخبارية بين الدبابة ووحدات الجيش الأخرى 2- خوذة قائد الدبابة من صناعة شركة أنظمة البيت الإسرائيلية للدبابات، وهي مبنية بتقنية عالية تعرف باسم “IronVision” وتستخدم الذكاء الاصطناعي وقدرة المسح 360 درجة 3- كاميرات مجهرية ورؤية ليلية محسنة 4- واجهة مستخدم ميركافا باراك المتقدمة تأتي مع إمكانية معالجة الصور بمساعدة الذكاء الاصطناعي 5- دفاع صاروخي متقدم بالنظام المعروف باسم “Windbreaker” أو “Trophy” لزيادة القوة النارية.
انهيار أسطورة الميركافا
لكن بينما يصنف الخبراء العسكريون دائما هذه الدبابة بأنها من أقوى الدبابات في العالم، فإن التجربة الفاشلة لهذه الدبابة في المواجهات بين الجيش الصهيوني وفصائل المقاومة خلال العقدين الماضيين أثبتت عكس هذا الادعاء.
وفي فبراير/شباط 2002، وبعد أن هاجمت قوات المقاومة الفلسطينية مستوطنين إسرائيليين، أرسلت تل أبيب للتصدي لهم دبابة ميركافا، والتي دمرتها عبوة ناسفة زرعتها المقاومة الفلسطينية، أدى هذا الفخ المتفجر إلى فصل برج الدبابة عن باقي أجزائها وقتل ثلاثة جنود إسرائيليين، واعتبر محللون إسرائيليون حينها هذا الهجوم بمثابة ضربة قاصمة لكرامة الجيش الإسرائيلي.
لكن هذه كانت مجرد البداية، وجاءت الضربة الرئيسية لسمعة الدبابة الأسطورية للصهاينة في عام 2006 وفي حرب 33 يومًا، وفي هذه الحرب خسر الجيش الإسرائيلي عشرات الدبابات، وفي ذلك الوقت، أصبحت صواريخ كورنيت الروسية، التي يبدو أنها وصلت إلى حزب الله من سوريا، قاتلة للدبابات الإسرائيلية، ويستطيع هذا الصاروخ الروسي المتطور الذي يصل مداه إلى خمس كيلومترات اختراق الدروع التي يزيد سمكها على متر واحد، وحسب الإحصائيات، خلال 33 يومًا من الحرب، من أصل 400 دبابة ميركافا كانت متواجدة في ساحة المعركة، تم تدمير 48 دبابة، وتعرضت 40 دبابة أخرى لأضرار جسيمة، كما اخترقت الصواريخ 20 دبابة أخرى.
وبعد حرب الـ 33 يومًا، سعى الجيش الصهيوني إلى حل هذه المشكلة من خلال إضافة معدات إلى دباباته للتعامل مع الصواريخ المضادة للدبابات. وفي عام 2021، كتبت مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية في تقرير لها أن الدبابة الإسرائيلية ميركافا 4 مزودة بدروع تفاعلية.
في هذه الأثناء، تظهر المواجهات التي بدأت بين المقاومة وجيش الاحتلال منذ 16 تشرين الأول/أكتوبر، أن الميركافا تقع ضحية لصواريخ المقاومة والألغام والطائرات المسيرة، كما حدث في العام 2006، وأن المعدات المذكورة ليست فعالة بما فيه الكفاية.
وخلال هذه الحرب، قامت كتائب القسام بتزويد مقاتليها بالتعليمات لاستهداف الدبابات الإسرائيلية، وهو ما يرتبط باستهداف أنظمة “تروفي” المثبتة على الدبابات الإسرائيلية، وكما ورد في مقدمة تجهيزات الجيل الخامس من دبابات الميركافا، فهي عبارة عن مجموعة من الرادارات الصغيرة وقاذفات الصواريخ التي تحدد وتعترض بشكل تلقائي أي صاروخ يتجه نحو الدبابة، ومع ذلك، فإن تكتيكات مقاتلي حماس تظهر أن إطلاق صاروخ من مسافة قصيرة جدًا يمكن أن يعطل “تروفي”.
ياسين 105.. قاتل الميركافا بيد المقاومين
وعلى عكس حرب الـ 33 يومًا، فإن السلاح الذي استخدمته حماس لتدمير دبابات الجيل الجديد للجيش الصهيوني هو سلاح محلي، قاذفات صواريخ ياسين 105 هي صواريخ مضادة للدبابات محلية الصنع تم تطويرها وإنتاجها من قبل كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس في قطاع غزة، وتم الكشف عن هذا السلاح في عام 2023، وتم استخدامه لأول مرة خلال معركة طوفان الأقصى الأخيرة في 7 أكتوبر 2023. ويعتبر صاروخ الياسين 105 نسخة مطورة من الصاروخ الترادفي الروسي والذي سنتحدث عنه لاحقا.
الياسين 105 قذيفة تستطيع بقدرتها التدميرية العالية اختراق الدرع الفولاذي للدبابة لمسافة تصل إلى 60 سم بعد مرورها بالدرع الخارجي، مداها الفعال 100 متر ومداها المفيد 150 مترا، وبينما يبلغ سعر كل دبابة ميركافا 7 ملايين دولار، فإن صواريخ الياسين 105 الأصلية لا تكلف الكثير، كما تظهر الصور المنشورة لمخزن أسلحة مقاومة غزة إنتاجها المتراكم.
ويتكون صاروخ الياسين 105 من رأس حربي مزدوج يتكون من رأس حربي رئيسي ورأس حربي ثانوي، وهو ما يسمى الرأس الحربي الترادفي، ويستخدم في اختراق الجسم الداخلي المضاد للدروع للدبابة.
يتكون الرأس الحربي الأساسي من مادة شديدة الانفجار تخترق الدرع الخارجي للدبابة، والمخصص لحمايتها من الأسلحة المضادة للدبابات.
ويتكون الرأس الحربي الثانوي أيضًا من مادة شديدة الانفجار تخترق الدرع الصلب للدبابة وتدمرها وتقتل ركابها.
ومن أبرز خصائص قذيفة ياسين 105 المضاد للدروع ما يلي:
عيار الغلاف: 105/64 ملم
الوزن الإجمالي: 4.5 كجم
المدى الفعال: 100 متر
المدى المفيد: 150 متراً
السرعة 300 متر في الثانية
القدرة على اختراق المدرعات الفولاذية والحديدية
ما هو الصاروخ الترادفي المضاد للدروع؟
وصاروخ “تاندوم” الذي تستخدمه قوى المقاومة بشكل محدود أكثر، هو صاروخ مضاد للدروع طوره الاتحاد السوفييتي في السبعينيات ودخل خدمة الجيش الروسي عام 1989، هذه هي القذيفة الأم لصاروخ الياسين 105 التي صنعتها المقاومة بتقنية الهندسة العكسية، وكصاروخ ياسين 105، يتكون صاروخ تانديم من رأس حربي مزدوج، بقطر ترادف 105 ملم ووزن 6.1 كجم، وبمدى فعال 500 متر وبمدى مفيد 800 متر.
الآن، بعد مرور أكثر من أسبوعين على بدء العملية البرية، أدى التدمير واسع النطاق لدبابات الكيان الصهيوني إلى إصدار أمر بهذا الكيان بسحب دباباته بناءً على بعض الأخبار.
ما لا شك فيه أن الإعلان عن تدمير دبابات الجيش الصهيوني التي تبدو متقدمة أو عدم قدرتها على التوغل في عمق غزة، يشكك في القدرات المعلنة لدبابات الميركافا، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى انخفاض بيع هذه الأسلحة من خلال فقدان ثقة العملاء الدوليين بهذه الدبابة.
أقرأ ايضا:
مشهد مصور عن حقائق من الميدان في غزة _ طوفان الاقصى
أوضاع المرأة المسلمة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي
وإذا أراد الأميركي وقف العمليات ضده عليه وقف العدوان على غزة
#إِنّ_إِسْرائيلَ_تَجْنِي_فِي_جُنُونْ
ترويج الهدنة لشراء الوقت للعملية البرية وتنفيذها رهن بالفشل
الاحتلال الاستيطاني لفلسطين: طوفان الأقصى ليس من فراغ
مسؤول يمني كبير يكشف الأسلحة المستخدمة بقصف ‘إسرائيل’
المنهج الجديد في تربية الطفل
الشيعة وفلسطين _ الحلقة الاولى_ قراءة في عملية طوفان الاقصى
بناء المجتمع في دولة أمير المؤمنين عليه السلام
الثورة الإسلامية والغزو الثقافي