هل تعلم أنَّ جهاز الراوتر الخاص بشبكة “الواي فاي” في منزلك قد يكون أكثر من مجرد وسيلة لتوصيلك بالإنترنت؟ بفضل التطورات الحديثة في مجال الذكاء الاصطناعي، يمكن الآن استخدامه كأداة تجسس خفية قادرة على تحديد مواقع الأشخاص داخل المنزل بدقة ثلاثية الأبعاد، متفوقة بذلك على كاميرات المراقبة التقليدية.
يقترح العلماء اليوم استخدام إشارات “الواي فاي” لهذا الغرض. وبالتحديد، تعتمد الطريقة التي طورها ثلاثة باحثين في جامعة كارنيجي ميلون على إشارة جهاز الراوتر العادي في المنزل لتحديد موقع الشخص في الغرفة وكذلك تحديد وضعه.
لماذا “الواي فاي”؟ هناك عدة أسباب لذلك. أولاً، على عكس التعرف البصري، تعمل الإشارات الراديوية بشكل مثالي في الظلام ولا تعيقها العوائق الصغيرة مثل الأثاث. ثانيًا، إنها رخيصة، وهو ما لا يمكن قوله عن تقنية الليدار والرادارات lidars and radars وهي أدوات أخرى يمكن أن تؤدي هذه المهمة. ثالثًا، “الواي فاي” موجود بالفعل في كل مكان – يمكنك الوصول إليه واستخدامه بسهولة.
لا نتحدث هنا عن عمليات الاختراق الشائعة التي تهدف إلى سرقة البيانات، بل عن استخدام إشارات الراديو الصادرة عن الراوتر لرسم خرائط تفصيلية للمساحات الداخلية وتحديد موقع كل فرد في المنزل. حيث تمكّن فريق من الباحثين من تطوير نظام معقد يعتمد على تقنية DensePose ، وهي تقنية تُستخدم عادة لمسح ورسم شكل جسم الإنسان في الصور. هذه التقنية تم تطويرها من قبل علماء الذكاء الاصطناعي في شركة فيسبوك، وجرى دمجها مع شبكة عصبية اصطناعية لتحليل إشارات الراديو ورصد حركة الأشخاص في الغرف.
لفهم هذه التقنية، يجب أولاً أن ندرك كيفية عمل إشارات الراديو. يبث الراوتر موجات راديوية بترددات محددة ترتد إلى الراوتر عند اصطدامها بالأجسام المختلفة في الغرفة، مشابهة في ذلك أجهزة الرادار. هذه الارتدادات تحمل بيانات تساعد في رسم صورة ثلاثية الأبعاد للأجسام التي اصطدمت بها.
هذه التقنية ليست جديدة تماماً. ففي عام 2013، تمكّن فريق من معهد MIT من استخدام إشارات الهواتف المحمولة لرؤية ما وراء الجدران. وفي عام 2018، استخدم فريق آخر من نفس المعهد إشارات “الواي فاي” لرصد مجموعة من الأشخاص في غرفة معينة، وترجمة حركاتهم إلى أشكال متحركة بسيطة.
يرى بعض الخبراء أن استخدام إشارات “الواي فاي” لأغراض المراقبة يمكن أن يكون بديلاً فعالاً لكاميرات المراقبة التقليدية، خاصة في البيئات التي تعاني من ضعف الإضاءة أو وجود عوائق تعيق الرؤية. هذا النوع من المراقبة يتميز بقدرته على تقديم صورة أوضح وأكثر دقة من الكاميرات التقليدية.
من ناحية أخرى، يعتقد بعض الباحثين أن هذه التقنية قد تكون إيجابية في حماية الخصوصية نظرًا لانخفاض تكلفتها، إذ إنَّ معظم الناس يمتلكون شبكات واي فاي في منازلهم. ومع ذلك، إذا انتشرت هذه التقنية على نطاق واسع، فقد تصبح أداة بيد الهاكرز وأجهزة الاستخبارات لانتهاك خصوصية المنازل واستخدامها في أعمال إجرامية.
ومن المتوقع أن تتطور هذه التقنية بشكل أكبر في المستقبل، حيث قد نشهد دمجها مع الهواتف الذكية لزيادة دقة ووضوح الصور الملتقطة. هذه الهواتف الذكية التي تحمل بالفعل العديد من المستشعرات، قد تصبح قادرة على جمع معلومات دقيقة عن الأشخاص مثل الطول والوزن وحتى الأفراد الذين يتواجدون بالقرب منهم، دون الحاجة إلى استخدام الكاميرا.
في المستقبل القريب، قد نرى تطبيقات لهذه التقنية تتجاوز الراوتر لتشمل أبراج الاتصالات المحمولة، مما سيجعل من الممكن تتبع الأفراد ومعرفة مواقعهم بدقة أكبر باستخدام إشارات الهواتف المحمولة.
وقبل نهاية هذا المقال لا بد من الإشارة إلى أنه في هذه التجربة تم التحكم بدقة في ظروف الاختبار داخل الدراسة، حيث تم استخدام هندسة بسيطة ومحددة بشكل جيد، وضمان وجود خط رؤية واضح بين الراوتر المرسل والمستقبل، وتقليل التداخل في إشارات الراديو إلى الحد الأدنى. وقام الباحثون بإعداد كل شيء بحيث يمكنهم بسهولة “اختراق” المشهد باستخدام موجات الراديو.
بالطبع، لهذه التقنية استخدامات إنسانية محتملة مثل عمليات البحث والإنقاذ في حالات الزلازل والكوارث، ولكن يبقى الخطر الأكبر في استخدامها لانتهاك الخصوصية داخل أكثر الأماكن حرمة – منازلنا. يجب أن نكون حذرين من التطورات التقنية التي قد تحمل في طياتها فرصًا للتجسس والرقابة دون علمنا.