التي يخاف منها مثل حضرة يوسف (ع)، حيث يقول في دعائه لله (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين) (5).
وعندما خرج من الابتلاء منتصرا كرر قوله: إلهي لولاك لكنت من الخائبين.
النفس الأمارة التي كما قال مولوي (شعرا):
النفس ثعابين متى تموت تمتلئ غما.
فإذا تركت الإنسان في مكان ما أو في وقت ما فذلك لأنه لم يبق له ماء ليسبح فيه ولم يبق له مجال لكي يعمل.
عن المرحوم المقدس الأردبيلي – أحد مراجع التقليد الذين وصلوا لخدمة الإمام صاحب الزمان (ع) عدة مرات -.
سئل: إذا كنت في غرفة ليس فيها أحد سوى امرأة غير محرمة، فهل تزني أم لا؟
المرحوم المقدس لم يجب لا، إنما أجاب ادعو الله أن يبعدني عن مثل هذا الموقف. من هذه العبارة نستفيد أن النفس الامارة لا تفرق بين الشاب والمسن، والرجل والمرأة والمقدس وغير المقدس، ويجب على الجميع الحذر منها لأنها معنا في حالة حرب بشكل دائم.
الرواية المنقولة عن موسى بن جعفر (ع) ان النبي الأكرم (ص) أرسل مجموعة إلى الحرب، وعندما عادوا قال: مرحبا بمن اجتازوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، قالوا وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس. ثم قال:
(أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه).
يعني أعلى مراتب الجهاد جهاد النفس.
نعم الحرب مع النفس الأمارة حرب كبيرة، وهذه الحرب قائمة بيننا دائما، بعدنا الملكوتي وبعدنا الناسوتي في هذه الحرب دائما، وبحسب العادة فإن هذه النفس الامارة والهوى والهوس كلها على الإنسان.
الغفلة عن النفس الأمارة وعن لحظة من الهوس تستتبع الندم طيلة العمر، نصف ساعة أو ربع ساعة، أو ساعة من الخلوة بين الرجل والمرأة في بيت ما تستتبع عمرا من الفضيحة وعمرا من الندم وعمرا من الخيبة.
– العدو الثالث: الدنيا:
عدونا الثالث هو الدنيا، والدنيا عدو عجيب للإنسان، القرآن الشريف في آيات كثيرة ينبه الإنسان أن يكون على حذر من لمعانها وبريقها، أن ينتبه من الوقوع
(١٦)
بمكرها وخداعها، لأن الآخرة لا تجتمع مع الدنيا الحرام.
(يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) (6).
أيها الناس احترسوا من العدوين الشرسين، الأول الدنيا فلا تقعوا بمكرها والآخر الشيطان، ان الدنيا الحرام والآخرة لا يجتمعان.
أحد أعمال البهلول أن عمودا كبيرا سقط في وسط الطريق فأمسكه من طرفه ورفعه فبقي الطرف الآخر على الأرض. فرفعه من طرفه الآخر فبقي هذا الطرف على الأرض، فأمسكه من الوسط فلم يتمكن من رفعه، فقيل له ماذا تفعل يا بهلول فأجاب هذه الدنيا والآخرة فإن أخذت طرف الدنيا بقيت الآخرة على الأرض، وإن أخذت طرف الآخرة بقيت الدنيا على الأرض، وعندما أردت حمل الاثنين معا فلم أستطع ذلك، يعني أن الدنيا الحرام الملوثة لا تجتمع مع الآخرة.
(تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) (7).
الدار الآخرة خاصة بمن لا يطلبون الرئاسة والعلو، خاصة بمن لا يعبدون الدنيا، ومن الواضح أن عبادة الدنيا تهدم دار آخرة الإنسان.
تنقل قضية لمرجع التقليد الكبير – المرحوم الشيخ محمد تقي الشيرازي – رضوان الله عليه – كان كثير التحقيق وفي مرتبة عالية من جهة العمل والتقوى وبناء النفس.
وعندما توفي المرحوم الميرزا الكبير (ره)، كان من المسلم ان المرجعية له، ولكن عندما أرادوا الصلاة على جنازة المرحوم الميرزا الكبير، لم يجدوا الشيخ الشيرازي، فبحثوا عنه هنا وهناك وأخيرا عثروا عليه في السرداب المطهر وقد تورمت عيناه المباركتين من كثرة البكاء، وتحدث بعد ذلك فقال: عندما وصلني خبر وفاة الميرزا الكبير قلت لنفسي:
(أصبحت رئيسا) وشعرت بارتياح لذلك، ففهمت أني لا أليق بالمرجعية، وفهمت أن هذه المرجعية لأجل الدنيا لذلك جئت لزيارة الإمام صاحب الزمان (عج) وأقسمت عليه بأمه الزهراء (ع) ان لا أكون مرجعا لأني لا أليق لذلك.
(تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في
(١٧)