الوقت – كانت قضية الفرار من الخدمة في الجيش الإسرائيلي، دائماً من أهم القضايا وأكثرها حسماً لدى الجنود الصهاينة، وأصبح الهروب من الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي هذه الأيام، قضيةً مهمةً مرةً أخرى بين جنود الکيان الصهيوني بالتزامن مع الحرب في غزة.
بادئ ذي بدء، من الجيد أن ننظر أولاً إلى بنية الجيش الصهيوني، ثم نناقش مسألة الفرار من الخدمة العسكرية وأسبابه.
الجيش الصهيوني: من التشكيل إلى قوات الاحتياط
تنقسم قوات الجيش الإسرائيلي، مثل معظم القوات المسلحة الحديثة، إلى ثلاثة أجزاء، القوات البرية والبحرية والقوات الجوية، ويبلغ إجمالي قوام الجيش حوالي 176.500 جندي، بالإضافة إلى 565.000 جندي احتياطي.
وهذا يعني أن 176 ألف جندي متفرغ يعملون في الجيش الإسرائيلي، و565 ألف جندي آخر في الاحتياط ولا يعتبرون قوات جيش رسمية، بل يتم استدعاؤهم للخدمة في أوقات الحاجة.
الخدمة العسكرية في الكيان الصهيوني إلزامية لجميع الناس، 21 شهرًا للنساء و36 شهرًا للرجال، ولا يوجد لدى الجيش رتب مختلفة لقواته كما هو معتاد في القوات المسلحة الأخرى.
وباستثناء لون القوة البحرية (ذهبي على خلفية زرقاء)، فإن جميع الرتب والشارات هي نفسها في القوات الأخرى، زي الخدمة لجميع أفراد القوات البرية هو زيتوني أخضر، ويتولى قيادة الجيش رئيس الأركان العامة للجيش، وهو تابع لوزير الحرب في الکيان الصهيوني.
لأول مرة تم تشكيل الجيش الصهيوني بأمر من “دافيد بن غوريون” أول رئيس وزراء للکيان الإسرائيلي، في 26 مايو 1948، واستمد الجيش قواته الأولية من الميليشيات الصهيونية “الهاغاناه والإرغون وليحي”، وتشكل بعد وقت قصير من إعلان وجود الکيان الصهيوني.
وبعد الإعلان عن وجود الکيان الصهيوني، أمر ديفيد بن غوريون، بصفته رئيس الوزراء ووزير الحرب، بتشكيل القوات العسكرية الإسرائيلية، وعلى الرغم من أن بن غوريون لم يكن لديه السلطة القانونية لإصدار مثل هذا الأمر، إلا أن الأمر أصبح قانونيًا.
هذا الأمر نفسه دعا إلى حل القوات شبه العسكرية اليهودية الأخرى، ووافقت منظمتان يهوديتان سريتان أخريان، هما الإرغون وليهي، على الانضمام إلى الجيش والامتناع عن شراء الأسلحة المستقلة.
تم تشكيل الجيش الصهيوني الجديد في حرب 1948 ضد 12 دولة عربية، وشكّل الصهاينة في هذه الحرب اثني عشر لواء مشاة ومدرعات: جولاني، كرملي، ألكسندروني، كرياتي، جفعاتي، عتصيوني، اللواءان المدرعان السابع والثامن، عوديد، هارئيل، يفتاح ونقف.
وبعد الحرب، أصبحت بعض الألوية وحدات احتياطية وتم حل بعضها الآخر، في هذه المرحلة، تشكل مفهوم القوة الاحتياطية في الجيش، والحقيقة أن قوة الاحتياط تشكل جزءاً مهماً من الجيش الصهيوني، ويبلغ تعدادها اليوم نصف مليون فرد.
قوات الاحتياط
كما ذكرنا، فإن قوات الاحتياط التابعة للكيان الصهيوني يبلغ عددها نصف مليون نسمة، وبالطبع فإن أغلبية العصيان والهروب من الخدمة العسكرية، تتم أيضاً بين قوات الاحتياط.
قوات الاحتياط هي القوات العسكرية المتقاعدة التي تبقى احتياطيةً للجيش بعد انتهاء المدة الإلزامية، الخدمة الاحتياطية بحد أقصى شهر واحد كل ثلاث سنوات، حتى سن 40 (الشركات) أو 45 (الضباط)، ويمكن للاحتياطيين العمل كمتطوعين بعد هذا السن بموافقة إدارة الموارد البشرية.
والحقيقة أن قوات الاحتياط في الجيش تتكون من الشباب والشابات حتى سن الأربعين، وبعد الخدمة الإلزامية سيبقون جميعهم في القوة الاحتياطية، ولا يوجد عملياً أي إعفاء لجنود الاحتياط الذين يتم استدعاؤهم في أوقات الأزمات.
تل أبيب تحذر من الفرار من الخدمة
الآن، ونحن في خضم حرب غزة، أصبحت قضية هروب العسكريين من الجيش الصهيوني بارزةً للغاية.
ووفقاً لتقرير أناتولي، فإن الجيش الإسرائيلي، الذي يرى أن قضية الفرار من الخدمة تتزايد، حذّر من أنه بعد انتهاء الحرب في قطاع غزة، سيصدر أحكاماً بالسجن على الجنود الذين يرفضون أداء الخدمة النظامية والاحتياطية.
وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي: “بعد الحرب، يعتزم المدعي العام العسكري الإسرائيلي تشديد عقوبة الهاربين من الخدمة النظامية والاحتياطية”، وأضافت: “الأشخاص الذين يرفضون أداء الخدمة العسكرية، بالإضافة إلى تخفيض رتبهم، سيُحكم عليهم أيضًا بالسجن لفترات طويلة تصل إلى عدة أشهر”.
ولم يذكر الجيش الإسرائيلي عدد الجنود الذين يرفضون الخدمة أو أسباب رفضهم، وفي الوقت الحالي، تم استدعاء حوالي 360 ألف جندي احتياط للحرب في غزة وهم يشاركون في الحرب، لكن لا توجد إحصائيات عن الفرار من الخدمة العسكرية.
أسباب الهروب من الخدمة في الجيش الصهيوني
لقد تم ذكر أسباب مختلفة حول عدم مشاركة قوات الاحتياط وحتى ضباط في الخدمة العسكرية في الجيش بالتزامن مع حرب غزة:
تطوير القدرات العسكرية للقوات الفلسطينية: وصف بعض المراقبين فشل الجنود الإسرائيليين في عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر، ونجاح القوات الفلسطينية في أسر الصهاينة، بأنه سبب انخفاض معنويات القوات العسكرية.
لقد أودت الحرب المستمرة في قطاع غزة حتى الآن بحياة العشرات من الجنود الصهاينة، ووصلت الحصيلة الرسمية للقتلى إلى أكثر من 380 شخصاً، رغم أن القوات الفلسطينية تعلن أن حصيلة القتلى من الجنود الصهاينة أعلى بكثير.
لذلك، من الواضح أن القوات الفلسطينية تمكنت من خلق نوع من توازن الرعب بين القوات الصهيونية المعتدية، من خلال تقدمها العسكري والتسليحي وقذائف الهاون والقنابل اليدوية وحتى الطائرات دون طيار، على عكس الماضي عندما لم يكن بإمكانها إلا الوصول إلى الحجارة، وحتى في الضفة الغربية يواجه الصهاينة مقاومةً مسلحةً للدخول إلى المخيمات الفلسطينية، ولا تقتصر المقاومة المسلحة على قطاع غزة.
في عام 2022، نفّذ الفلسطينيون ما مجموعه 7200 عملية مقاومة، وهي إحصائية غير مسبوقة مقارنةً بالسنوات السابقة، وفي عام 2022، قُتل 31 جنديًا ومستوطنًا صهيونيًا وأصيب نحو 500 شخص، قضوا في عمليات المقاومة والهجمات المسلحة في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر، وهو أعلى رقم منذ عام 2015.
كما نفذت قوات الأمن والجيش الصهيوني 450 عملية أمنية وقائية لتحييد عمليات المقاومة، وفي عام 2022، نفّذ فلسطينيون أكثر من 300 عملية إطلاق نار، وهي إحصائية غير مسبوقة مقارنةً بالسنوات الأخيرة.
ولذلك، ليس فقط في قطاع غزة، بل خلال العام الماضي واجهت جغرافيا فلسطين بأكملها عمليات مسلحة من قبل القوات الفلسطينية، وهذا الوضع جعل الأمر صعبًا للغاية على الجيش الصهيوني.
الخلافات الداخلية: كانت الخلافات الداخلية أحد عوامل العصيان على الخدمة العسكرية في الجيش الصهيوني في السنوات الأخيرة، ففي الکيان الصهيوني، الخدمة العسكرية ليست إلزاميةً لطلاب المدارس الدينية، وقد تسببت هذه القضية في عدم رضا عائلات أخرى عن وجود التمييز في الخدمة العسكرية الإجبارية.
حتى الآن، نظمت الأسر والشباب العديد من المسيرات الاحتجاجية ضد التمييز في التجنيد، وفي الوقت نفسه، فإن العامل الأهم في الخلاف الذي أحدث انقساماً في الجيش الصهيوني العام الماضي، هو مسألة الخلاف حول خطة نتنياهو لتغيير القوانين القضائية وتقليص سلطة المحاكم.
وقد تسببت هذه القضية في استياء واسع النطاق وتشكيل احتجاجات غير مسبوقة في الشوارع خلال الـ 9 أشهر الماضية، وأعلن نحو 20 ألف ضابط عسكري انسحابهم من الخدمة العسكرية احتجاجاً على ذلك.
في الوقت الحالي، وعلى الرغم من الحرب في غزة، فإن الخلاف حول خطة نتنياهو لم ينته بعد، وربما بعد الحرب في غزة، ستستأنف احتجاجات قوات الاحتياط في الجيش ومجموعات أخرى ضد خطة نتنياهو القضائية.