– في اليوم الستين للحرب المفتوحة التي يشنّها جيش الاحتلال على غزة، وعبرها على شعوب المنطقة وحكوماتها بهدف استعادة الردع من بوابة المجازر الوحشية بحق الأطفال والنساء، في ظل دعم غربي معلن ومكشوف وضعف عربي عن امتلاك أكثر من بيانات التنديد، إن وجدت، تبدو قوى المقاومة في غزة ولبنان، في مواجهة مفتوحة مع جيش الاحتلال لإجباره على وقف العدوان، وتقف المقاومة في العراق وسورية واليمن كقوة مساندة تتحدّى الردع الأميركيّ وتهديداته فتحوّل وجود قواته في المنطقة إلى أهداف هجماتها، بصورة تضعه أمام الخيارات الصعبة، بين ارتضاء تآكل قوة الردع أو التورط في حرب أكبر.
– منذ بداية الحرب وحتى يومها الستين، فقد جيش الاحتلال بريق الأحلام التي رسمها حول العملية البرية، وتحوّلت عمليات القتل الهمجي المتوحش من قوة إسناد لأهداف الحرب بترويع البيئة الحاضنة للمقاومة أملاً بتغيير خياراتها، إلى عامل إضعاف لخيار الحرب بما أحدثته من انقلاب كبير في الشارع الغربي تحول إلى قوة ضغط على الحكومات. وقد تلقت ادارة الرئيس الأميركي جو بايدن النصيب الأكبر منه، بينما تحولت قضية الأسرى في قبضة المقاومة الى عامل ضغط وتفكك في الجبهة الداخلية لقيادة الكيان، وجاء اضطرار هذه القيادة لقبول الهدنة وصفقة التبادل حول الأطفال والنساء تعبيراً عن قوة ضغط هذين العاملين، اللذين يواصلان فعلهما بزخم أكبر.
– حجم الهزيمة الذي يمثله القبول بشروط المقاومة للتبادل وفق صيغة الكل مقابل الكل، وربطها بوقف العدوان، يجعل فعل عامل الضغط الذي يشهده الشارع الغربيّ ومثله ضغط الشارع الداعي داخل الكيان لأولوية إطلاق الأسرى على خوض الحرب والقلق من أن يؤدي استمرار الحرب الى قتل الأسرى، عاملاً مهماً جداً، لكنه غير كافٍ للوصول إلى فرض التراجع على قيادة الكيان ومن خلفه إدارة بادين وإجبارهما على الرضوخ لإعلان وقف الحرب وقبول التبادل بشروط المقاومة.
– منذ بداية الحرب والدعوات توجّه إلى حزب الله للذهاب الى حرب واسعة النطاق، خصوصاً إطلاق صواريخه الدقيقة على عمق الكيان، باعتبار هذه الطريق الوحيدة التي يمكن أن تجبر قيادة الكيان على النزول عن الشجرة، وجاءت المواقف التي صدرت عن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لتضع الأمر في سياق مختلف، ما كشف وجود حسابات لدى قيادة المقاومة لا يعتقد بأن هذه الطريق سوف تضمن وقف العدوان، بل قد تذهب بالمنطقة الى حرب إقليمية تنخرط فيها القوات الأميركيّة ربما تنتهي بتحقيق توازن سلبي بدل النصر الموعود، لأن هذه النقلة في الحرب سوف تقوم بتوحيد الشارع الداخلي في الكيان تحت شعار أن ما يجري يؤكد أن ما جرى في طوفان الأقصى كان ضمن خطة تستهدف اقتلاع «إسرائيل»، وأن الوحدة والصمود والقتل والانتقام قدر الكيان، وسوف يتيح ذلك تجييش الشارع الغربي بصورة عكسية لما فعلته الدماء الفلسطينية في غزة، وسوف توضع عواصم عربية منها بيروت تحت خطر الدمار المتبادل مع مدن الكيان، بوجود انقسامات سياسية لبنانية تسهم في دفع الحرب نحو التوازن السلبي، وتفتح الباب على عدمية سياسية عنوانها حل الدولتين، دون حسم أمر الاستيطان ولا أمر القدس.
– اهتدت المقاومة في لبنان وغزة إلى وصفة أشدّ فعالية، تضمن عدم استدراج فائض القوة النارية الأميركي إلى ساحات القتال، وتحدّيه في ساحات أخرى هي العراق وسورية والبحر الأحمر، وتجمّد القدرة على استخدام القوة النارية الإسرائيلية على جبهات لبنان وسورية بقوة الردع التي تمثلها صواريخ المقاومة وطائراتها المسيرة، وتحفظ بذلك للشارع العالمي حيويته وللداخل الإسرائيلي انقساماته وتحركات أهالي الأسرى فيه. وجوهر هذه الوصفة ينطلق من أن القيادة السياسية والعسكرية للكيان بكل رموزها متورطة في المسؤولية عن الفشل في السابع من تشرين الأول، ولذلك فإن عليها أن تخرج منتصرة من الحرب وإلا فهي ستبقي الحرب مستمرّة، لأن اليوم الذي يلي وقف الحرب هو يوم نهايتها السياسية وربما يكون يوم سوقها الى السجن. والشارع الذي أصابته ضربة السابع من تشرين في عنصريته وعنجهيته غاضب ومتعطش للدماء ومشبع برغبة الانتقام ولن يضغط لوقف الحرب حتى لو تصاعدت الحرب نحو العمق. والجيش وحده بما هو العمود الفقري للكيان من يجب الرهان عليه لفرض وقف الحرب، وذلك عبر تحويل أيام الحرب إلى أيام نزيف دمويّ لا يهدأ في صفوفه، حتى يصل الى مرحلة يصعب عليه فيها تنفيذ أوامر مواصلة الحرب.
– ما جرى خلال الأيام الأخيرة من الجولة الأولى والأيام الأولى من الجولة الثانية، حملت من جهتين غزة وجنوب لبنان ما يقول إن هذه الوصفة تنجح، حيث القتلى كل يوم بالعشرات في صفوف جيش الاحتلال، والجرحى بالمئات، وحالات التمرّد والفرار تتكرر كل يوم، وما جرى مع استهداف الجيش اللبناني في نقطة ظاهرة معروفة ليس حادثاً عرضياً، بل تعبير عن اللحظة الحرجة التي بلغها قادة جيش الاحتلال في القدرة على تحمل النزيف ومواصلة إدارة الحرب، بحيث يمثل استهداف الجيش الذي جاء انتشاره ضمن الاتفاق الذي سبق إقرار القرار 1701، إعلان الاستعداد للانتقال إلى الأعمال العدائية، وهو توصيف ما يجري الآن طالما أن الانتقال الى وقف إطلاق النار المنصوص عليه في القرار لم يتم، للعودة إلى حال الحرب التي كانت قبل صدور القرار.
– لا مشكلة لدى المقاومة في أن تذهب الى الحرب المفتوحة بأعين مفتوحة وأقدام ثابتة، إذا كان المبادر هو جيش الاحتلال، بمشروعيّة كاملة عندها للحفاظ على الزخم في الشارع الدوليّ بتأكيد أن الوحشية التي استهدفت غزة تستهدف لبنان، والحفاظ على ضغط الشارع الداخلي للكيان باعتبار أن القيادة التي غامرت بحرب فاشلة على غزة تكمل مغامرتها بأخذه الى حرب مؤكدة الخسارة مع المقاومة في لبنان. واللبنانيون الذين ينقسمون حول مدى صحة ذهاب المقاومة الى المبادرة برفع مستوى التصعيد، سوف يتوحّد أغلبهم وراء المقاومة عندما تكون في موضع الدفاع عن لبنان، كما تعهّدت لهم.
– التحيّة لشهداء الجيش والشفاء للجرحى، ومعادلة الشعب والجيش والمقاومة تثبت صحتها وجدواها مرّة أخرى.