الثلاثاء 6 ذیالحجه 1446
الوقت – في عالمٍ تتلاطم أمواجه بصخب الصراعات الجيوسياسية، ظلت الطاقة منذ الأزل رافعة القوة ومحور الهيمنة، فمن امتلك ناصية مصادرها أو أحكم قبضته على مسالك نقلها، تبوأ مكانة الفصل في معادلات السياسة الدولية.
وفي هذا المضمار، تربعت إيران، بما حباها القدر من ذخائر نفطية وغازية هائلة، على عرش اهتمام القوى العظمى على مرّ العصور، غير أن ما يشدّ اليوم أبصار واشنطن وحلفائها صوب طهران، أكثر من أي حقبة مضت، هو قدراتها المتصاعدة للولوج إلى محفل القوى النووية والتأثير في أسواق الطاقة، من منظورٍ لم تألفه الأعين من قبل.
ما وراء الطاقة التقليدية: إيران والمزايا الناشئة
ليست إيران مجرد ثاني أكبر خزائن الغاز الطبيعي في العالم ورابع دولة من حيث مخزون النفط الخام فحسب، بل صقلت أيضاً قدراتها التقنية والعلمية لاستثمار الطاقة النووية، وعلى الرغم من سياط الضغوط المتلاحقة وأغلال العقوبات المحكمة، يشقّ البرنامج النووي الإيراني طريقه نحو التطور بخطى واثقة؛ مسارٌ قد يحوِّل طهران من مجرد مصدر للطاقة الخام، إلى لاعب تقني بارز في ميدان الطاقات المتجددة والنووية.
الطاقة النووية: سيف الاستقلال ودرع الردع
في المنظور الأمريكي، يعني امتلاك إيران لزمام القدرات النووية – ولو في إطارها السلمي – تعزيز درعها الواقي أمام سهام الضغوط السياسية والعسكرية، فإيران المتسلحة بالمعرفة والبنى التحتية النووية، لن تغدو أشدّ صلابةً في وجه العقوبات فحسب، بل ستمتلك مفاتيح توظيف الطاقة النووية كحصان طروادة دبلوماسي ووسيلة تواصل مع الشرق.
إن التحالفات الاستراتيجية بين إيران وعمالقة الشرق كالصين وروسيا في مجال الطاقة، تشكّل فصلاً من فصول هذه المعادلة المستجدة التي تزلزل أركان هيكل القوة في سوق الطاقة العالمية.
تقويض أركان النظام القائم في سوق الطاقة
دأبت الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ عقود على تثبيت أوتاد سلطانهم من خلال إحكام قبضتهم على أزمة سوق الطاقة العالمية، ولا سيما عبر سلاح الدولار النفطي وشبكات نقل الطاقة، بيد أن بزوغ قوة جديدة في قلب الشرق الأوسط قادرة على إنتاج وتصدير الطاقة بنهج مغاير (غير غربي)، يدقّ ناقوس الخطر لهذا النظام المترنح.
وفوق ذلك، في عالمٍ يتسابق نحو تنويع مشارب الطاقة والانعتاق من أغلال الوقود الأحفوري، تتربع الطاقة النووية على عرش المستقبل بدور محوري، فإذا نجحت إيران في اقتناص نصيب من هذا السوق الناشئ، فإن نفوذها وسطوتها سترتقي لا في المنطقة وحسب، بل على مسرح السياسة الدولية برمته.
خاتمة القول
وصفوة القول، إن ما يؤرّق مضجع الأمريكيين ليس مجرد إحصاء لأجهزة الطرد المركزي أو أرقام التخصيب في إيران، بل هو شبح ميلاد قوة مستقلة، تقنية، تزخر بكنوز الطاقة، قادرة على تقويض دعائم النظام العالمي للطاقة المتمحور حول الغرب، هذا القلق له جذور أعمق من السياسة؛ جذور تعود إلى طبيعة تغير توازن القوى في العالم، وأفول الهيمنة الغربية المرتكزة على الطاقة.