مدينة قم المقدسة
إسرائيل تغتاله الشهيد إسماعيل هنية في طهران وفي الصباح الباكر تشيعه وتودعه كل إيران .. صوت بكاء نساء ورجال مدن وقرى إيران يعلو الآن أمامي , يبكون على شهيد فلسطين كبكاء الوالدة على ولدها المسجّى في فراش الموت أمامها .. وتقول إحداهن بصوت مكسور تخاطب جثمان الشهيد : غريب وشهيد.. إن لم يكن لك بواكي فسأبكي عليك بكاءً لا يرتقي إليه بكاء الأم على ولدها .
بكوا وبكين وانتحبوا وانتحبن طويلاً .
وتذكرّت حينما ذهب الشهيد بالأمس لزيارة الإمام الخامنئي والفرحة ظاهرة عليه وعلى الإمام الخامنئي وهما يتبادلان الكلام والحب والمودة
.. ثم افترق الحبيبان وبعد ساعات لقي هنية ربه في طهران.. وقلت في نفسي : كم كان
في قلب الإمام الخامنئي من محبة للشهيد إسماعيل هنية.. ذلك اللقاء بينهما كان من المشاهد الموثرة في حياتي .
ربّاه ربّاه ربّاه !! ولد إسماعيل هنية في سجن وملجأ إسرائيلي وعاش أسيرا وسجينا ثم خرج من ذلك السجن وبقيت اسرائيل تتبعه في كل مكان وقتلت ستين شخصا من أهله ولمّا علمت أنه في طهران .. قرّرت أن تغتاله في طهران .
ربّاه ربّاه ربّاه !! أي كبرياء بلغت إسرائيل منذ أكثر من ثلاث مائة يوم تقتل الأطفال والنساء في غزة .
ويوم شاهدت إسماعيل هنية شهيدا مسجى في مدينة طهران .. كان في ذهني سؤال يتردد رباه ماهي الحكمة أن يستشهد في طهران ؟!!
ولكن لما رأيت ماذا جرى في طهران بعد شهادته أدركت حكمة الله في شاهدته في طهران .
واليوم هو يوم من أيام الله الساعة الثامنة والنصف صباحاً.. وصل الجثمان الطاهر للشهيد إسماعيل هنية ووصل معه الإمام الخامنئي وصلى على جنازته ودعاء له بصوت منكسر اللهم لانعلم منه إلا خيرا .
وبعد الصلاة قبل الإمام الخامنئي جببن ولد الشهيد .. إنه مشهد اهتز له قلبي .
لن انسى منظر الذين جاءوا من كل مدن إيران وقراها ، يشاركون في وداع الشهيد الغريب المظلوم هنية ، وهم يتبركون بجثمانه ، ودموعم تكسو وجوهم .. أدير طرفي وأرى ملايين الناس أحتشدوا من كلّ مكان في إيران لأجل هذا الشهيد الغريب المظلوم.. وكلّ واحد يحمل في يده صورة الشهيد .
ربّاه ربّاه ربّاه !! هذا جانب من رحمتك .. لقد سخّر هذا الشهيد العظيم قلبه لك فسخرّت له قلوب أهل إيران ؛ لأن القلوب بيدك تقلّبها كيف تشاء .
الملايين يتزاحمون حول جنازة الشهيد تفيض من عيونهم الدموع ويتمنى كلّ واحد من هؤلاء الملايين أن يلمس الصندوق الحامل للشهيد , كأنّي اشاهد خيالاً من مراسم لم اكن اتوقّعها .. وأرى مدينة طهران الجميلة الإيرانية كأنها لبست
السواد حزناً على شهيد فلسطين .
قلت لمن بجواري : هذه كرامة كبرى لهذا الشهيد.. ولا أظن أنه كانت ستكون له مثل هذه المراسيم التي شاهدتها اليوم لو أنه استشهد في محل إقامته في الدوحة .
أليس من الكرامة للشهيد اسماعيل هنية أن يشيع بهذه الكيفية الفريدة وأنا في إيران منذ قرابة الأربعين عاما أشهد شهادة قائمة على تجربة بأن الشعب الإيراني ودع اسماعيل هنية وداعا شابه في ضخامته ، وتلقائتية ، وفي مصداقية عاطفتهم حين وداعهم للشهيد قاسم سليماني.. وهذا من عظمة الشعب الإيراني الذي ساوى بين شهيد فلسطيني وشهيد إيراني .
لقد تربى على يد هذا الشهيد العظيم الكثير من المجاهدين وهناك الآلاف الذين يحملون مدرسته ونهجة القائم على أساس ثقافته القرآنية فهو كان حافظا للقرآن وعاملا به .
سيدي الشهيد العظيم إسماعيل هنية ، لقد حققت بجهادك وتقواك وثقافتك القرآنية وفكرك الوحدوي الذي لايفرق بين المسلم السني والمعلم الشيعي نصرا للمقاومة عظيما وجعلت لها ثقلا وقيمة على المستوى الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي .
إن إسرائيل دمرت بيتك وبلدتك ففتح الله لك كل مدن وقرى إيران .. والأرض كلّها لله.
إن إسرائيل ترتكب مجازر في غزة تشابه ماحدث في كربلاء .. ولكن الله لها بالمرصاد .