فلاح السائل – السيد ابن طاووس
9 أيام مضت
مستحبات الايام ولياليها
37 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول السيد الإمام العالم الحبر العامل الفقيه الكامل الصدر صدر العلماء جمال العارفين رضى الدين ركن الاسلام قدوة العباد والزهاد شرف المجتهدين أفضل الشرفا أكمل السادة ذو الحسبين أبو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس العلوي الحسيني أكمل الله لديه فضله وكرم فرعه وأصله.
احمد الله بلسان وجنان وجودهما من وجود المولى المعبود و موادهما من كرم ذلك المالك المحمود واعترف له بالمنة جل جلاله على اطلاق لساني بحمده وعلى تأهيلي للثناء على مقدس مجده.
واجد قلبي وعقلي في ذل الخجالة على ما ضيعنا من حقوق تلك الجلالة وكيف تركا لي لسانا وجنانا يشتغلان بغير وظايف تحميده ومترادف تمجيده.
وأراهما بلسان الحال يبكيان ويندبان على زمان أو مكان ضاع في الاشتغال بغيره جل جلاله عنه ويتوسلان بمراحمه ومكارمه في طلب العفو منه ويسمعان من لسان حال عموم ذلك الكرم والاحسان بيان ملاطفة الموافقة والمعاتبة على ما جرى منهما من المفارقة والمجانبة وكانا جاحدين ان يقال لهما ان الحمد وظيفة من كان في حال حمده
(٢)
سليما من قيود سوء الآداب ومشغولا بالمراقبة لمولاه مالك يوم الحساب فاما من لا يخلو من اهمال حق حرمة اطلاعنا عليه ومن الاشتغال بغيرنا عن ملاحظة دوام احساننا إليه إذا انطق بحمدنا فليس على وجه حمده برهان المعرفة بهيبة جلالنا ولا ذل العبودية لاقبالنا ولا خضوع التعظيم لعظمة سلطاننا ولا اثر الخوف من معرفته بالتقصير في حقوق احساننا فوظيفة مثل ذلك المملوك السقيم الاشتغال بطلب العفو من المالك الرحيم الحليم الكريم والا فقد ضيع أوقات طهارة قلبه وجنانه ولسانه واشتغل عن احساننا وشأننا بشأنه ويضيع الان الوقت الثاني بالتواني والأماني وترك الاستدراك فما يؤمنه ان بقى على ذلك من خطر الهلاك.
واشهد ان لا اله إلا هو شهادة صدرت إلى مملوكه عن جوده وشرفه بها على من لم يعرفها من ساير مماليكه وعبيده واشهد ان جدي محمدا عبده ورسوله أشرف الخواص واعرف من خلع عليه جل جلاله خلعة الاختصاص صلى الله عليه وعلى آله أفضل صلوات تبلغ به وبهم أكمل نهايات الغايات.
واشهد ان الله جل جلاله قطع بحججه العقلية والنقلية حجج الخلايق ولطف بالعباد برؤساء وشهداء يحتج بهم على من يحتج عليه من أهل المغارب والمشارق وأودعهم ما يحتاج المكلفون منهم إليه وكشف برحمته وجوده عن آيات باهرات وبينات نيرات تهدى إلى من اعتمد في الرياسة عليه لا يشتبه معدنها ومكانها ولا يخفى نورها وبرهانها على كل من صدقه جل جلاله في قوله الذي وعاه ورعاه العارفون وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون.
فإنه إذا كان مراده جل جلاله من خلقكم سعادتهم بمعرفته وعبادته
(٣)
وتشريفهم بخدمته ومراقبته وكان آرائهم وأهوائهم مفسدة لتدبيره كما نطق به كتابه المصون في قوله جل جلاله ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السماء والأرض ومن فيهن بل آتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون وجب ان يكون لهم ما يمنع أهوائهم من الفساد ويقمع آرائهم عن هلاك أنفسهم والعباد على كمال صفات الحق الذي لو اتبع أهوائهم لفسدوا وهذه صفة المعصوم الذي يلزمهم ان يهتدوا به ويقتدوا وكيف تكون آرائهم وأهوائهم كافية في تدبير أمور الدنيا والدين وهو جل جلاله يقول ولا يزالون مختلفين.
ولقد أوضح جل جلاله بما استدرك على بعض اختيارات جماعة من الأنبياء والمرسلين ان من يكون دون المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين لا يقوم الحجة باختيارهم على الكشف واليقين كما جرى لآدم عليه السلام في اختياره الاكل من الشجرة بما تضمنه صريح الآيات وجرى لداود عليه السلام فيما نطق به القرآن في بعض المحاكمات وما جرى لموسى عليه السلام في اختياره سبعين رجلا من قومه للميقات فإذا كان هذا اختيار أنبياء قد بلغوا من المكاشفات والعنايات غايات ونهايات وقد احتاجوا إلى استدراك الله جل جلاله عليهم بل لهم في بعض المقامات.
فكيف يكفي تدبير من هو دونهم في كمال التدبيرات والإرادات وإذا اعتبرت اختلاف أهل الأمانة والورع والاجتهاد من ساير فرق المسلمين العلماء منهم والزهاد وجدتهم مختلفين في تفسير أكثر مراد الله جل جلاله من آيات الكتاب والسنن والآداب وعلمت ان كثيرا من المختلفين في هذه الأسباب ما عاندوا ولا كابروا في ترك الصواب وانما كثر الآيات والروايات محتملات لبعض ما وقع من اختلاف التأويلات.
(٤)
وظهر لك بذلك ان كنت قابلا للالطاف أو مريدا للانصاف ان اختيارات العباد غير المعصومين لا تقوم بها الحجة البالغة عليهم لسلطان العالمين وانها لا تكفيهم في أمور الدنيا وحفظ الدين وانه لابد من رئيس يتولى الله جل جلاله بلطفه وعطفه تهذيب اختياره وتأديب أسراره وتكميل صفاته ويكون هو جل جلاله من وراء حركات ذلك المعصوم وسكناته يمدها بالعنايات الباطنة والظاهرة ويرعاها بالهدايا المتناصرة كما كان من وراء تدبير الأنبياء والمرسلين ومن وراء تدبير من جعله رسولا من الملائكة والمقربين وهذا واضح لا يخفى على ذوي الألباب.
ويكون ذلك المعصوم هو الحجة لسلطان يوم الحساب وقوله وفعله عليهم السلام هو القدوة التي لا تحتمل اختلاف التأويلات وهو الكاشف عن مراد الله جل جلاله بالآيات والروايات.
وبعد فإنني لما رأيت بما وهبني الله جل جلاله من عين العناية الإلهية في مرأت جود تلك المراحم والمكارم الربانية كيف أنشأني ورباني وحملني في سفن النجاة على ظهور الاباء وأودعني في البطون وسلمني مما جرى على من هلك من القرون وهداني إلى معرفته وهو ربى الذي يقول للشئ كن فيكون ونظرت به جل جلاله في معنى تاريخ ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون وعرفني مراده جل جلاله منى وكاشفني عقلا ونقلا عما يرضيه عنى وجدت المنة له جل جلاله في هدايتي بسعادتي في اخلاص العبادة لذاته من غير تعلق خاطر بطلب هباته أو خوف نقماته.
وتيقنت انه جل جلاله ملك حياتي ولم يزل أحق بها منى وكان جل جلاله اهلا لان يشغلني عظم جلاله واقباله عنى وهل كان للألباب
(٥)
2024-12-09