الفصل الثالث : القدوة والأسوة في جهاد التبيين
جهاد التبيين في سيرة الأنبياء والرسل (عليهم السلام)
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في إشارة إلى جهاد التبيين في سيرة الأنبياء والرسل (عليهم السلام): «الأنبياء العظام على رأس سلسلة المبيّنين والمبلّغين»[1].
جهاد التبيين في سيرة رسول الله(صلى الله عليه وآله)
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «عمل النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) المهمّ كان الدعوة إلى الحقّ والحقيقة، والجهاد إنّما كان في سبيل هذه الدعوة. وفي مواجهة عالم الظلم آنذاك، لم يُصَب النبيّ بأيّ نوع من التشويش والإرباك، سواء خلال الأيّام التي قضاها في مكّة بمفرده، أو عندما اجتمع حوله عدد صغير من المسلمين، وكان في مواجهته رؤساءُ العرب المتكبّرون صناديد قريش وأعوانهم، بما اتّصفوا به من أخلاق قاسية… كان يقول كلامه الحقّ، ويُكرّره ويبيّنه ويوضّحه، ويتحمّل الإهانات، ويتحمّل المصاعب والآلام حتّى استطاع أن يجمع حوله الكثير من المسلمين؛ أو عندما شكّل الحكومة الإسلاميّة، وأمسك هو بالسلطة من موقعه كرئيس لهذه الحكومة، يومذاك كان هناك أعداء ومعارضون مختلفون
في مواجهة الرسول من المجموعات العربيّة المسلّحة المتوحّشة التي كانت تجول في صحاري الحجاز واليمامة، وكانت دعوة الإسلام تهدف إلى إصلاحهم فيما كانوا يقاومونها، أو الإمبراطوريّات الكبرى في ذلك الوقت القوّتان العالميّتان في ذلك العصر؛ أي إيران والامبراطوريّة الرومانيّة، حيث كتب لهم رسول الله الرسائل وجادلهم، وقاد ضدّهم الجيوش، وتحمّل الصعاب، وتعرّض للحصار الاقتصاديّ»[2].
جهاد التبيين في سيرة أمير المؤمنين(عليه السلام)
يرى الإمام الخامنئيّ (دام ظله) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو نموذج التبيين، ويُعِدّ ذلك من خصوصيّاته الحكوميّة الناتجة عن قضيّة الإمامة، فيقول: «هذه هي خصوصيّاته الحكوميّة: العدل والإنصاف والمساواة… والتبيين، حيث كان يبيّن الحقائق للناس. لاحظوا خطب نهج البلاغة، الكثير منها بيان لحقائق ووقائع كانت قائمة في المجتمع آنذاك، سواء خطبه (عليه السلام) أو كتبه ورسائله. جزء من نهج البلاغة خطب، وجزء منه رسائل، وغالبًا ما كانت هذه الرسائل موجّهة لأشخاص يعترض عليهم الإمام (عليه السلام)، فهم إمّا أعداء مثل معاوية، أو عمّاله وولاته الذين كان الإمام يعترض عليهم ببعض الأمور. هكذا كان الحال في الغالب؛ وبعضها توصيات وأوامر، كعهده لمالك الأشتر. إنّه يبيّن الحقائق للناس في جميع هذه الخطب والرسائل. كان هذا جانبًا من منهج الإمام أمير المؤمنين في العمل»[3].
جهاد التبيين في سيرة الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «ثمّة المئات من الأحداث اللافتة والمليئة بالمعاني التي تبدو ظاهريًّا غير مترابطة ومتناقضة، لكن يُمكن تفسيرها في ما لو شاهدنا الخطّ المستمرّ منذ بدء إمامة ذلك الجليل (الإمام عليّ) وحتّى لحظة شهادته. هذا الخطّ هو خطّ الجهاد ذاك، وخطّ كفاح الأئمّة، والذي اتّخذ أشكالًا مختلفة على مدى 250 عامًا، واستمرّ ليكون هدفه هو تبيين الإسلام الأصيل، والتفسير الصحيح للقرآن، وتقديم صورة واضحة عن المعرفة الإسلاميّة، وثانيًا تبيين مسألة الإمام والحاكميّة السياسيّة في المجتمع الإسلاميّ، وثالثًا الجهد من أجل تشكيل ذلك المجتمع، وتحقيق هدف الرسول الأعظم والأنبياء كافّة؛ أي إقامة القسط، وبسط العدل، وإسقاط أنداد الله من مشهد الحكومة»[4].
جهاد التبيين في سيرة الأصحاب
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «في حرب صفّين كان تبيان الحقيقة من الأعمال المهمّة لسيّدنا عمّار بن ياسر؛ لأنّ التيّار المقابل، وهو تيّار معاوية، كان له صنوف من الإعلام والدعاية، وهو ما يسمّونه اليوم الحرب النفسيّة… والشخص الذي وجد في هذا الظرف أنّ من واجبه الوقوف في وجه هذه الحرب النفسيّة ومقاومتها هو سيّدنا عمّار بن ياسر، الذي ورد في أحداث حرب صفّين أنّه كان يتنقّل على الفرس بين هذه الناحية وتلك من المعسكر، ويوصل نفسه إلى صفوف الجنود، ويتحدّث للمجاميع -الكتائب أو الألوية حسب التعبير الدارج اليوم- بمقدار معيّن، وكان يوضّح لهم الحقائق،
ويؤثّر فهيم، وإذا ما رأى خلافًا في موضع ما، وأنّ بعضهم اعتراهم الشكّ، وحصل بينهم نقاش وجدل، كان يتقدّم نحوهم بسرعة، ويتحدّث إليهم، ويبيّن لهم الأمور، ويحلّ هذه العُقَد»[5].
جهاد التبيين في تاريخ الثورة الإسلاميّة
أوّلاً: الإمام الخمينيّ (قدس سره)
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «لقد تفضّل الله تعالى على هذا الشعب وحباه بقيادة الإمام الخمينيّ الكبير كهبة إلهيّة. وقد عمل الإمام الخمينيّ الجليل على توعية الشعب، ومنحه البصيرة، وتحمّل هو نفسه الصعاب، فسُجن ونُفي ولم يترك الجهاد، وشيئًا فشيئًا عمّ هذا الوعي وهذه البصيرة، إلى أن ظهرا في سنتَي 56 و57 [1978 و1979م]، على هيئة حركة عامّة بين أفراد الشعب الإيرانيّ. لم يكن هدف هذه الحركة الجهاز الملكيّ الحاكم فقط، بل كانت تستهدف أميركا أيضًا. لقد كان الشعب يعلم ويفهم أنّ أميركا تقف خلف هذه الجرائم التي تحصل ضدّه وضدّ البلد في الداخل. لقد قال إمامنا الخمينيّ الجليل في سنة 42 [1963م]، في مطلع النهضة الإسلاميّة: «إنّ رئيس جمهوريّة أميركا هو أكثر شخص مبغوض في إيران اليوم»[6]. وقد نشر هذا المعنى في أوساط
الرأي العامّ، وبيّن للشعب أنّ كلّ الشرور بسبب أميركا، وآتت هذه الحركة الكفاحيّة نتائجها»[7].
ويقول (دام ظله): «حيثما تحرّكت الشعوب وصمدت، وأبدت الصبر والمقاومة، كان النصر حليفها بالتأكيد، هكذا هو الحال في كلّ مكان. مشكلة العمل الكفاحيّ الذي ينتهي بالخسارة هي إمّا في الشعوب التي لا طاقة لها ولا تصمد، أو إنّه يفتقد القادةَ الذين يقودون الشعوب بنحو صحيح. لقد شاهدنا في السنين الأخيرة، أنّ ثمّة شعوبًا تحرّكت، وأظهرت من نفسها عزيمة وإرادة، وحقّقت نتائج، ولكنّها كانت تفتقد القادةَ الذين يستطيعون إدارة هذه الشعوب بنحو صحيح، وتشخيص الهدف، ورسم الطريق أمامه. لذلك، انكسرت تلك الشعوب، وقد شاهدتم كلّكم هذا الشيء في هذه الأعوام الأخيرة نفسها، ولا أريد أن أذكر بلدًا أو مكانًا بالاسم. لقد سلك الشعب الإيرانيّ طريقه بالنحو الصحيح، وقام بحركته على النحو الصحيح، وكانت هناك قيادة مقتدرة وواعية، ومصمّمة، ومتوكّلة على الله، ومعتمدة عليه، وعلى الوعد الإلهيّ، ﴿إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ﴾[8]؛ فأدّى هذا إلى أن يستطيع هذا الشعب الانتصار والقضاء على حكومة آل بهلويّ الملكيّة المفروضة عليه والتابعة للأجانب المخزية والمشؤومة -والحكومة الملكيّة مصدر عارٍ لكلّ شعب من الشعوب حسب المنطق الإنسانيّ الصحيح في إيران-، فانتهت وأصبح الشعب حرًّا يملك مصيره»[9].
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «هذا ما كان يُميّز إمامنا الجليل عن غيره من المصلحين الذين مرّوا في التاريخ الإسلاميّ خلال
القرنَين المنصرمَين. دخل الإمام إلى الميدان، وكان وسط الناس، يتحدّث إليهم، يشرح لهم مبادئه، وأوصل الناس إلى إيمان بيِّن وواضح كإيمانه… لقد آمن الشعب الإيرانيّ بهذه المبادئ، وجاهد في سبيلها. وكانت النتيجة أنِ انتصر النظام الإسلاميّ أوّلًا، على الرغم من كلّ العداوات والمعوقات، وهو يتجذّر ويستحكم يومًا فيومًا، وثانيًا لم ينحصر فكر إحياء الإسلام، وتخليص الأمّة الإسلاميّة من ظلم القوى المستكبرة واستكبارها، في حدود هذا البلد»[10].
وفي مورد آخر يقول في شرحه للحركة التبينيّية للإمام الخمينيّ (قدس سره): «في ما خصّ اهتمام الإمام بالشعب، هو ضرورة التوعية الدائمة له، فالإمام بنفسه في سنوات حياته الأخيرة كان يستغل كلّ فرصة من أجل تبيان الحقائق للناس… وكان يوصي الآخرين بأن يبيّنوا الحقائق للناس، وأن يعرّفوهم بتلك التي يسعى العدوّ لإخفائها عنهم»[11].
ثانياً: آية الله الشهيد مدنيّ (رضوان الله عليه)
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «المرحوم الشهيد مدنيّ هو أحد النماذج البارزة لعالم الدين النشيط على مختلف الصعد… كان مصداقًا لعالم الدين الكامل. أوّلًا، كان عالمًا فقيهًا… ثانيًا، كان عالمًا ناطقًا -لدينا في الروايات: «بِعَالِم نَاطِقٍ مُستعمِل لعلمه»[12]– ومن أهل البيان والتبيين لمختلف أطياف الشعب، ومن الذين يستطيعون بناء علاقة الشباب. ذهبت إلى تبريز في أوائل أو أواسط إمامته للجمعة، ورأيته يتحدّث إلى الشباب اليافعين
البالغين من العمر 20 عامًا و21 عامًا بكلّ محبّة وألفة، كما لو أنّه والدهم أو أخوهم الأكبر. لم تظهر تلك الهيمنة العلميّة في علاقته بالشباب مطلقًا؛ أي إنّ علاقته كانت حقيقيّة. هكذا كان يتعامل مع الشباب»[13].
ثالثاً: الشهيدان مطهّريّ وبهشتيّ (رضوان الله عليهما)
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «في كلّ مرحلة تكون مساهمة المؤمنين والمخلصين بحسب ما تقتضيه المصلحة؛ وكلّه جهاد في سبيل الله. فالجميع معرّض لخطر التضحية بالمصالح الشخصيّة، ومن بينها التضحية بالنفس؛ مرّة في الحرب، وأخرى في الحوزة العلميّة، ومرّة كما الشهيدان الأوّل والثاني، ومرّة في الميدان السياسيّ، ومرّة في ساحة التقدّم الاجتماعيّ، ومرّة في الثورة العظيمة، كهذه الثورة الإلهيّة، وأخرى بسبب تبيين الحقائق الدينيّة، كما الشهيد مطهّريّ والشهيد بهشتيّ، فلكلّ زمان مقتضياته»[14].
جهاد التبيين لدى علماء الدين والحوزويّين
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «نضالات الحوزة كانت شاملة؛ أي إنّ جميع الطلّاب الحوزويّين كانوا منخرطين تقريبًا في النضال. عندما دخلتْ حوزة قم ساحة المواجهة، أصبحت المواجهة شاملة تقريبًا. هذه إحدى الخصائص.
الخاصّيّة الأخرى: تأثير حوزة قم؛ فحوزة قم هي حوزة تتألّف من جماعة وفئة لديها تأثيرها في المجتمع، والمرجعية تُعدّ
أحد أجزاء هذه الجماعة. إمامنا الجليل كان أحد المراجع الذين بدؤوا هذا النضال، وهو الوحيد الذي أخذ هذه المسؤوليّة على عاتقه لاحقًا. فكلام مرجع الدين كان ينتشر وسط الناس بسبب مكانته الدينيّة كحاكم شرعيّ. إذًا، هذه خاصّيّة المرجعيّة. لكن، وإلى جانب هذا، كان هناك طلّاب الحوزة العلميّة؛ فلولا هؤلاء الطلّاب لما امتدّت هذه الحركة بهذا النحو. كان الطلّاب يجتمعون من أماكن مختلفة، ومن مدن مختلفة، ومناطق مختلفة، ثمّ يتفرّقون في أيّام العطل ليعتلوا المنابر، ويقيموا الجلسات الخطابيّة، الجلسات الأسبوعيّة، الجلسات الدينيّة، بهدف نشر هذا الفكر وسط الناس»[15].
[1] كلمته (دام ظله) في لقاء مسؤولي النظام وسفراء الدول الإسلاميّة، بتاريخ 06/05/2016م.
[2] كلمته (دام ظله) في خطبة صلاة الجمعة، بتاريخ 25/09/1991م.
[3] كلمته (دام ظله) في لقاء وفود شعبيّة بمناسبة عيد الغدير، بتاريخ 20/09/2016م.
[4] كلمته (دام ظله) بمناسبة المؤتمر العالميّ للإمام الرضا(عليه السلام)، بتاريخ 16/10/1989م.
[5] كلمته (دام ظله) في لقاء أعضاء مكتب القائد وحرس وليّ الأمر، بتاريخ 25/07/2009م.
[6] الإمام الخمينيّ، السيّد روح الله الموسويّ، صحيفة الإمام (تراث الإمام الخمينيّ (قدس سره))، مؤسّسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخمينيّ، إيران – طهران، 1430هـ – 2009م، ط1، ج1، ص420.
[7] راجع: كلمته (دام ظله) في مراسم تخريج ضبّاط جامعة الإمام الحسين (عليه السلام)، بتاريخ 13/10/2019م.
[8] سورة محمد، الآية 7.
[9] كلمته (دام ظله) في لقاء طلّاب المدارس والجامعات، بتاريخ 02/11/2015م.
[10] كلمته (دام ظله) في الذكرى الرابعة عشرة لرحيل الخمينيّ (قدس سره)، بتاريخ 04/06/2003م.
[11] كلمته (دام ظله) في الذكرى الثانية عشرة لرحيل الإمام الخمينيّ (قدس سره)، بتاريخ 04/06/2001م.
[12] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، الأمالي، تحقيق ونشر مؤسّسة البعثة، إيران – قمّ، 1417هـ، ط1، ص424.
[13] كلمته (دام ظله) في لقاء أعضاء مؤتمر تكريم الشهيد آية الله مدنيّ، بتاريخ 02/09/2001م.
[14] كلمته (دام ظله) في لقاء عدد من علماء الدين، بتاريخ 13/04/1999م.
[15] كلمته (دام ظله) في لقاء أعضاء مجمع ممثّلي طلّاب وفضلاء الحوزة العلميّة في قمّ، بتاريخ 15/03/2016م.
إقرأ المزيد
قائد الثورة: اجتثاث الصهاينة واجب ديني وانساني واذا قام الاعداء بأي عمل شرير فسوف يتلقون ضربة قويةالإمام الخامنئي: المقاومة تعمل بشكل مستقل.. الأمريكيون لن يحققوا شيئاً بتهديد إيرانقائد الثورة الاسلامية يوصي بتآزر وتلاحم السلطات الايرانية لانه ورقة ايران الرابحةالإمام الخامنئي: انتشار الشعراء الشباب الملتزمين والثوريين باعث للأملالنص الكامل لكلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع أهالي محافظة أذربيجان الشرقيّةالإمام الخامنئي: سماحة السيد نصر الله قد بلغ الآن ذروة العِزّة

