ورغم ضراوة الظروف التي فرضت عليهم القتال، ورغم إلحاحها الدائب، فإن إيمانهم بأهمية السلام لم يدعم من يجسده من آل البيت، فيقدم في سبيل حقن الدماء تضحية أخرى عظيمة..!!! ذلكم، وهو ” الحسن بن علي ” رضي الله عنه وأرضاه. فإلى الكوفة.. لنشهد موقفه، ونقفوا خطاه..
(٤٤)
الفصل الثالث السيد يفرض السلام
عندما كان (الإمام علي) يجود بروحه الطاهرة على أثر ضربة غادرة تلقاها من مغتال أثيم، سأله بعض أصحابه أن يستخلف من يختار من أبنائه وأهله فأبى.. ودعاهم أن يختار الناس بعد موته من يحبون ويرتضون. أجل.. لم يوص لأحد من أبنائه بالخلافة، فقد كانت هناك وصية أخرى تشغل باله ويدخرها لهم. فدعا إليه (الحسن والحسين) وقال لهما: (أوصيكما بتقوى الله.. ولا تبغيا الدنيا، وإن بغتكما.. ولا تأسفا على شئ منها زوي عنكما.. افعلا الخير.. وكونا للظالم خصما، وللمظلوم عونا)..!!! كلمات جديرة بصاحبها، ووصية جديرة بموصيها..!! وتلفت الناس حولهم، فوقعت أعينهم وقلوبهم جميعا على رجل واحد بسطوا إليه أيمانهم مبايعين.. كان ذلك الرجل الكريم (الحسن بن علي)، الذي كان أكبر أبناء الإمام الشهيد
(٤٧)
وتلقى (الحسن) البيعة على أثر فراغه من الصلاة على أبيه ودفنه. تلقاها كارها دون أن يتركوا له حق الخيار والاعتذار. إذ قام (قيس بن سعد بن عبادة) بطل الأنصار، والإسلام. فبايع (الحسن)، حيث تقدمت على أثره الجموع الحاشدة، ثم الجموع الوافدة.. ولم يكد الأمر يستقر للحسن.. ولكن لا.. فإن الأمور يومئذ كانت أبعد ما تكون عن الاستقرار!! ولقد كانت حلكة الأحداث تجعل من قبوله البيعة، فالخلافة، تضحية من أكبر التضحيات. ولعل شيئا ما، لم يعين (الحسن) على تقبلها مثلما أعانه ذلك الأمر الذي وقر في صدره منذ يفاعته وشبابه. ذلكم هو حبه الوثيق للسلام، ونبوءة الرسول له منذ طفولته بأن الله سيحقن به دماء المسلمين في يوم من الأيام.. إن أصحاب رسول الله يذكرون ذلك اليوم الذي صعد فيه الرسول منبره، وقد صحب حفيده (الحسن) وكان طفلا يحبو. حيث أجلسه إلى جواره، وضمه إليه، وقال: (إن ابني هذا سيد.. وعسى الله أن يصلح به بين طائفتين من المسلمين). والآن، يجئ الأوان المناسب – أوفى ما تكون المناسبة – لتحقيق هذه النبوءة الصادقة.!! وها هو ذا أمير المؤمنين (الحسن بن علي) يواجه المواقف بتقديرين: أحدهما نابع من طبيعته وشمائله.. وثانيهما، منبعث من ظروف المعركة وآثارها..