بعد انتهاء الحرب الاهلية في لبنان، رسمت خطوط المستقبل السياسي في لبنان من خلال اتفاقية الطائف التي تبنتها الاطراف اللبنانية المختلفة، وكنتيجة طبيعية لمخرجات الحرب اصبح لحزب الله دور محوري في الوضع السياسي الداخلي، وتمكن من معادلة الكفة واصبحت له الكلمة العليا في الدولة اللبنانية على مختلف الاصعدة، وقد تمكنت القوى الوطنية التي كان حزب الله لها سنداً قوياً وشريكاً مهما من فرض ارادتها في الواقع السياسي اللبناني.
نتيجة للصراع الطويل بين حزب الله والصهاينة من جهة، والمقاومة الفلسطينية والصهاينة من جهة اخرى وقع العديد من اللبنانيين والفلسطينيين اسرى لدى الكيان الصهيوني، وقد سعت قيادة حزب الله الى تحرير الاسرى اللبنانيين والفلسطينيين من خلال المفاوضات الا ان الكيان الصهيوني كان يرفض ذلك، وكان ذلك الاصرار من الصهاينة محركاً لقيادة الحزب للقيام بعملية عسكرية داخل الاراضي التي يحتلها الكيان الصهيوني في الجنوب اللبناني يتم من خلالها اسر عدد من الجنود لاجبار قيادة الكيان الصهيوني على اطلاق سراح الاسرى والمعتقلين.
حزب الله يأسر جنديين ليحقق حزب الله اهدافه في تحرير الاسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الصهيوني، قام بعض ابطال الحزب بتنفيذ عملية عسكرية داخل الاراضي المحتلة مخترقين الاسلاك الشائكة الممتدة على طول الخط الفاصل بين الاراضي التي يحتلها الكيان الصهيوني في الجنوب اللبناني والمناطق الشيعية في جنوب لبنان. ومن الطبيعي ان حزب الله كان يتوقع ان يرد الكيان الغاصب على هذه العملية البطولية بشراسه.
يجب ان يكون واضحاً ان الكيان الصهيوني يتمتع بقدرات عسكرية واستخبارية عالية فبالاضافة الى التقنيات العالية التي وضعت في خدمة حركاته والدعم الامني والاستخباري الذي تقدمه الدول الغربية له، هناك فئات في الداخل اللبناني لها علاقات وثيقة بالكيان الغاصب، مضافاً الى تجنيده لجواسيس في الداخل اللبناني يزودونه باخبار الحزب، ولهذا كانت للكيان الصهيوني اهداف معلومة يتعامل معها وقت الحاجة، ومن بين تلك الاهداف المقرات التابعة للحزب ومؤسسات الحزب ومخابئ الاسلحة وشخصيات الحزب.
كانت ردة الفعل الصهيونية تتالف من عدة محاور، الاول تدمير كل البنى التحتية للحزب، الثانية قصف مخابئ الاسلحة والصواريخ، الثالث استهداف مقرات الحزب وقياداته، الرابع محاولة الوصول الى المكان الذي نقل اليه الاسيران، الخامس اقتحام الجنوب اللبناني لتهجير حاضن المقاومة بعيداً عن منطقة التماس بين الاراضي المحتلة والجنوب اللبناني.
سخر الكيان الغاصب كل امكانياته العسكري جواً وبراً وبحراً في سبيل تحقيق امرين اساسين الاول اعادة الجنديين الاسيرين لانه اسرهما يعتبر تعد كبير على كرامة الكيان الصهيوني، والثاني تهجير المجتمع الشيعي من جنوب لبنان لكونه حاضنة مقاتلي حزب الله ووجودهم بالقرب من الحدود اصبح يشكل خطراً وجودياً للكيان الغاصب.
استمرت الحرب 33 يوماً صمد فيها ابطال الشيعة المجاهدون وسطروا اروع الملاحم في مواجهة العدو الصهيوني الغاشم الذي لم يتمكن نتيجة صمودهم المنقطع النظير من التقدم في الجنوب اللبناني وقد كرروا ذلك في حرب 2024.
اما على صعيد سلاح الجو فقد ارتكب الصهاينة كما هو شأنهم ابشع الجرائم فدمروا المناطق الشيعية تدميراً كاملاً فهدمت المنازل والبنايات ودمرت المزارع ونزح المواطنون من اراضيهم وكان الاستهداف مخصصاً للمناطق الشيعية بحيث ان الضياع المجاورة للمناطق الشيعية بل والمتداخلة معها اذا كانت لغير الشيعة لم تتعرض لاي ضرر، وهذا يكشف عن مدى التغلل الاستخباري الاسرائيلي بحيث يميز الاراضي العائدة للشيعة عن الاراضي العائدة لغيرهم على الرغم من تداخلها وتجاورها.
اما ابطال الجهاد فقد اوقفوا حركة القوات الاسرائيلية عند حدها فلم يتمكنوا من تحقيق اي تقدم على الرغم من امتلاكهم للدبابات والطائرات والمدرعات، كما كانوا قد نقلوا الاسلحة من مخابئها الى مخابئ اخرى لم يتمكن العدو الصهيوني من اكتشافها رغم كثرة جواسيسه ومراقبته المستمرة عبر الاقمار الصناعية لجنوب لبنان، مما شكل انتصارا كبيراً للقوة الاستخبارية لحزب الله على الرغم من ضعف امكانياتها، وقد ولد ذلك فقدان الصهاينة الثقة بحكومتهم، اذ كانت التصريحات الرسمية تؤكد القضاء على القدرة الصاروخية لحزب الله، بينما كان الحزب كلما صدر بيان للجيش الصهيوني باستهداف صواريخ حزب الله يرسل لهم رشقة من الصواريخ اكثر من التي قبلها.
ولم تقف انتصارات ابطال حزب الله عند هذا الحد بل تعدى الامر الى اسقاطهم مروحية صهيونية واستهداف مدرعات بالصواريخ وكانت القشة التي قصمت ظهر الصهانية استهداف ابطال المقاومة للبارجة الاسرائيلية التي كانت تقصف الطريق البحري الرابط بين الجنوب وبيروت مما ادى الى فرار البارجة الى عمق البحر، ومع هذا الصمود وذلك التقدم بدأ الداخل الصهيوني يشعر بالانكسار وانتقل الشعور بالهزيمة الى جنود العدو الذي راى انه غير قادر على تحقيق اي نصر على ابطال المقاومة الشيعية في لبنان فطلب تدخل اميركا للضغط لوقف الحرب، فوقفت الحرب وقد فرض حزب الله شروطه فيها، فالحرب تجري فيها شروط المنتصر عسكرياً.
لقد اثبت حزب الله في هذه المعركة قدرة تدريبية وعسكرية وفنية واستخبارية، وابدى مقاتلوه شجاعة وبسالة قل نظيرها، وحقق انتصاراً كبيراً على الجيش الذي كان يطبل له بانه الجيش الذي لا يقهر.
كان القرار الاممي 1701 هو نتاج انتصار حزب الله في الحرب العسكرية مع اسرائيل وهيمنته ودوره الفاعل في وصول القوى الوطنية الى مركز القرار في الدولة اللبنانية.