الرئيسية / أخبار وتقارير / مفاوضات إيران وأمريكا… أربعة أمور رضخ لها ترامب

مفاوضات إيران وأمريكا… أربعة أمور رضخ لها ترامب

وقد سعى ترامب جاهداً لاقتناص ثمار إعلامية شتى من هذا التطور، محاولاً أن يرسم لنفسه صورة المنتصر في هذه المعادلة، بيد أن تمحيص الوقائع يكشف أن ترامب لم يظفر في هذه المرحلة بما كان يتوق إليه، وأن إيران تمكنت، في أربعة محاور على الأقل، من فرض إرادتها عليه قبيل انطلاق المباحثات.

المحور الأول في هذا السياق هو إذعان واشنطن لاختيار سلطنة عُمان وسيطاً للمباحثات، فإيران، نظراً لوشائج العلاقات الوثيقة والثقة الراسخة التي تكنها لعُمان، أصرت منذ تسرب أنباء تبادل الرسائل الأولية بين طهران وواشنطن على وساطة السلطنة، في حين كانت أمريكا قد روجت في محافل متعددة لأن تضطلع دولة أخرى، ولا سيما الإمارات، بدور الوسيط.

المحور الثاني يتجلى في تراجع ترامب عن نهجه الاستعلائي السابق إزاء الاتفاق مع إيران، ذلك النهج الذي ذاع صيته في ظل سياسة الضغط القصوى إبان تولي مايك بومبيو وزارة الخارجية الأمريكية في الإدارة الأولى لترامب بـ”الشروط الاثني عشر”، نهجٌ لم يكن في جوهره تفاوضاً وحواراً بل إملاء شروط وإذعاناً، أما الآن فالرغبة في التفاوض النووي تنمّ عن نجاح إيران في الصمود أمام محاولات فرض الإرادات، وإخفاق السياسات الماضية.

لقد صُممت استراتيجية الضغط القصوى، التي دُشنت عام 2018 بانسحاب أمريكا من الاتفاق النووي ولا تزال تتصدر نهج واشنطن حيال طهران، بهدف تركيع الاقتصاد الإيراني، وكان الرهان الأمريكي أنه بفرض عقوبات باهظة وتشديد الخناق الاقتصادي، ستُرغم إيران إما على الانصياع لشروطها، أو مجابهة أزمة عاصفة.

المحور الثالث يتمحور حول قضية المباحثات غير المباشرة التي تتمسك بها إيران بإصرار، بينما يتشوف ترامب إلى مباحثات مباشرة، وظلّ حتى الليلة الفائتة يدّعي ذلك ليصطنع منها مشهداً استعراضياً وإنجازاً يتباهى به، وبتشبثها بالمباحثات غير المباشرة، تكون إيران قد أملت إرادتها على الطرف المقابل.

وفي هذا المضمار، صرح عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، عقب الإعلان عن انطلاق المباحثات في عُمان قائلاً: “ستُعقد المباحثات كما أُعلن يوم السبت في عُمان وستكون غير مباشرة، نحن لا نقبل بأي صيغة أخرى للتفاوض”.

غير أنه استدرك قائلاً إن شكل المباحثات ليس محور الاهتمام، ما يُعوَّل عليه هو مدى نجاعة الأطراف وجديتها في المباحثات، وعزمها على التوصل إلى مخرج، هذا هو المعيار الفيصل، أما الشكل فيخضع لاعتبارات متعددة، والصيغة التي نؤثرها هي المباحثات غير المباشرة.

في الحقيقة، تعكس هذه التصريحات المنطق الذي تستند إليه إيران في تمسكها بالمباحثات غير المباشرة، فإصرارها ينبثق من رغبتها في استجلاء حقيقة مرام ترامب: أيسعى إلى استعراض إعلامي أم لفرض إملاءاته؟ إيران، استناداً إلى تجربتها المريرة مع نكث العهود والمراوغات الأمريكية، تسعى في هذه المرحلة إلى التحقق مما إذا كانت واشنطن تنشد تفاوضاً من موقع التكافؤ والاحترام المتبادل لتخطو الخطوات اللاحقة، وإلا فإن مثل هذه اللقاءات لن تتساوق مع الأسس الراسخة للتفاوض “العقلاني، المتكافئ، والمبني على الاحترام المتبادل”، ولن يكون لدى طهران ما يبرر مواصلتها.

كما شدّد وزير الخارجية الإيراني على أن “المباحثات التي يرومون من ورائها فرض إرادتهم عبر الضغط والوعيد، ليست مفاوضات بل إملاءات، ونحن لا نؤمن بهذا النهج البتة”.

هذا الموقف يقودنا إلى المحور الرابع الذي نجحت فيه إيران بفرض إرادتها، فقد دأب ترامب في الأسابيع والشهور المنصرمة على الزعم في شتى المحافل والمنابر، أنه سيحسم أمر إيران بالقوة العسكرية، وإمعاناً في إظهار جديته وإسناد مواقفه بتحركات ميدانية، كثّف من المناورات العسكرية الأمريكية في المنطقة، ومن الشواهد الأخيرة على ذلك، المزاعم المتعلقة بتكثيف الطلعات الجوية، وخاصةً القاذفات الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، ونشرها في جزيرة دييغو غارسيا بالمحيط الهندي.

كان هذا النهج العسكري التهديدي ينسجم أيضاً مع تطلعات الصهاينة، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، بيد أن ترامب، بعد أن بات يعوّل على المباحثات ويصرح بأنه “يسعى إلى اتفاق مع إيران”، يمكن تفسير موقفه إما بأنه يفتقر إلى الجرأة للإقدام على عمل عسكري ضد إيران، أو أن قدرات القوات المسلحة الإيرانية والمواقف الصارمة لكبار مسؤولي البلاد، وعلى رأسهم المرشد الأعلى، قد أوصلت ترامب إلى قناعة راسخة بأنه إذا أقدم على عمل عسكري ضد إيران ووجّه ضربةً، فستردّ طهران بضربات موجعة، ولن يبلغ ترامب مأربه المنشود.

وفي هذا السياق، جدير بالذكر أنه على مرّ العقود المنصرمة، ما فتئت واشنطن تطلق التهديدات ضد إيران، وكما يزعمون، ظلّ الخيار العسكري مطروحاً على الطاولة، غير أن صمود إيران وثبات كبار قادتها العسكريين والسياسيين أمام هذه التهديدات، إلى جانب جاهزية البلاد الدفاعية، حرم دوماً أرباب البيت الأبيض من توظيف ورقة القوة العسكرية

شاهد أيضاً

قصة واقعية.. للمريين*

– امرأة مسنة صادفتها بالحج أخبرتني بقصة أثرت بي كثيرًا .. قالت بأنها أرملة وكان لديها ...