الوقت- في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع، حذّرت منظمات وهيئات أممية من تفاقم الكارثة الإنسانية، مؤكدة أن ما يجري في غزة بلغ مستويات غير مسبوقة من التجويع، والدمار، والانهيار الكامل للبنية التحتية الصحية والإنسانية، وسط تجاهل إسرائيلي تام لنداءات القانون الدولي.
وفي تصريحات نارية أدلى بها لـ”الجزيرة”، قال آجيت سونغاي، رئيس مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة: “ما يجري في غزة يمثل أزمة إنسانية غير مسبوقة من حيث الشدة والاتساع، والاحتلال الإسرائيلي لا يلتزم بأي من واجباته القانونية كقوة احتلال، بل يسير في اتجاه واضح نحو تدمير المجتمع الفلسطيني”.
وأضاف سونغاي: إن قطاع غزة يشهد أسوأ أوضاعه منذ سنوات، بل ربما منذ بداية الاحتلال، حيث لا يوجد أي توزيع منظم للغذاء أو المياه الصالحة للشرب، والنازحون محرومون من أبسط وسائل الحياة، مشيرًا إلى أن برنامج الأغذية العالمي أعلن منذ أيام عن نفاد مخزوناته بالكامل في القطاع.
انعدام تام للغذاء والماء
وتابع المسؤول الأممي: “منذ أكثر من 60 يومًا، لم تدخل حبة قمح واحدة إلى غزة، جميع سكان القطاع البالغ عددهم أكثر من 2.2 مليون نسمة بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، معظمهم نزحوا مرات متعددة بسبب القصف والدمار، ويفتقدون إلى الأمان والكرامة الإنسانية”.
وفي السياق ذاته، أكد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن سوء التغذية الحاد أصبح ظاهرة منتشرة في مختلف أنحاء القطاع، مع تزايد أعداد الأطفال المتأثرين بنسبة 80% مقارنة بشهر مارس الماضي.
كما حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” من أن نحو 335 ألف طفل دون سن الخامسة في غزة يعانون من سوء تغذية حاد مهدد للحياة، ووفق تقارير طبية، فإن 92% من الرضع بين 6 أشهر وسنتين معرضون لأضرار صحية دائمة، نتيجة عدم حصول الأمهات على الحد الأدنى من الغذاء اللازم لإرضاعهم.
وأشار التقرير إلى أن ما لا يقل عن 50 طفلًا لقوا حتفهم جوعًا حتى يوم الجمعة الماضي، وهو رقم مرشح للارتفاع في ظل غياب أي أفق لحل حقيقي أو هدنة إنسانية.
أزمة المياه تصل إلى حد الكارثة
وفي تقرير ميداني لمنظمات الإغاثة الدولية، تبيّن أن 65% من سكان القطاع لا يحصلون على المياه الصالحة للشرب أو الاستخدام المنزلي، ما يزيد من خطر تفشي الأوبئة والأمراض المعدية، وخاصة في مناطق الإيواء العشوائية والمدارس المكتظة بالنازحين.
الأوضاع الصحية تنهار بالكامل
من جانبه، قال الدكتور منير البرش، المدير العام لوزارة الصحة في غزة: إن استمرار إغلاق المعابر وعدم السماح بدخول الوقود والمساعدات فاقم بشكل غير مسبوق الوضع الإنساني، وخاصة في المستشفيات التي أصبحت غير قادرة على تقديم الحد الأدنى من الخدمات.
وأكد البرش أن الاحتلال يمارس سياسة خنق كاملة ضد الشعب الفلسطيني، ويمنع الماء والغذاء والدواء في محاولة لتركيع السكان، وأضاف: “هناك أكثر من 40 ألف طفل أصبحوا أيتامًا منذ بدء العدوان، و100 طفل فقدوا حياتهم وهم ينتظرون فتح المعابر”.
وأوضح البرش أن قرابة مليون طفل في غزة محرومون من الخدمات الصحية الأساسية واللقاحات، فيما ارتفع عدد الشهداء من الأطفال والنساء بشكل يفوق أرقام أي حرب سابقة.
وتابع قائلاً: “عدد الضحايا غير المباشرين بسبب تداعيات الحصار والحرب يفوق عدد الشهداء الذين سقطوا في القصف المباشر، المرضى، والأطفال، والحوامل، ومرضى السرطان، يموتون بصمت دون أن يتحرك الضمير العالمي“.
انهيار المنظومة الطبية واعتقال العاملين الصحيين
وبيّن البرش أن 20 فقط من أصل 38 مستشفى في القطاع لا تزال تقدم خدمات جزئية جدًا، مشيرًا إلى أن الاحتلال اعتقل أكثر من 360 من العاملين في القطاع الصحي، بينهم أطباء وممرضون ومسعفون.
ودعا البرش المجتمع الدولي، ولا سيما منظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى تحمّل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية تجاه ما تبقى من النظام الصحي في غزة.
أونروا: الكارثة تخطت حدود المعقول
من جهته، صرح عدنان أبو حسنة، المستشار الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، بأن الوضع في غزة تجاوز حد الكارثة بكثير، وأضاف: “مخازننا خالية بالكامل، ولا توجد مواد غذائية، ولا حتى زجاجة ماء أو جرعة لقاح يمكن إدخالها، إسرائيل تمنع أي شيء من دخول القطاع”.
وأردف قائلاً: “الكرة الآن في ملعب المجتمع الدولي، الصمت لم يعد مقبولًا، هناك خطر حقيقي يهدد حياة كل سكان غزة، المجاعة ليست احتمالًا بل واقعٌ نعيشه كل يوم“.
دعوات أممية لتدخل عاجل
في ضوء هذه المعطيات الصادمة، ناشد سونغاي مجلس الأمن الدولي بتحمّل مسؤوليته واتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة لوقف هذا الانهيار الإنساني، وقال: “إسرائيل لا تبدي أي نية للتراجع أو التغيير، الوضع يتدهور يومًا بعد يوم، يجب تفعيل آليات محاسبة حقيقية وممارسة ضغط حقيقي لإجبارها على الالتزام بالقانون الدولي”.
وأشار إلى أن محكمة العدل الدولية كانت قد أوصت باتخاذ تدابير فورية لمنع تفاقم الوضع الإنساني، لكن “إسرائيل” رفضت تنفيذ أي من هذه التدابير، ما يعكس استخفافها المطلق بالمجتمع الدولي ومؤسساته.
وسط هذا المشهد المأساوي، يتصاعد الغضب الشعبي والدولي من استمرار الحصار والتجويع، بينما يكتفي المجتمع الدولي بإصدار بيانات الإدانة دون اتخاذ خطوات عملية لوقف المأساة، ومع مرور الوقت، تتحول غزة إلى منطقة منكوبة بالكامل، حيث يصبح البقاء على قيد الحياة إنجازًا يوميًا.
فهل يتحرّك العالم قبل فوات الأوان؟ أم إن غزة ستبقى عنوانًا للفشل الإنساني في القرن الحادي والعشرين؟
إقرأ المزيد