فتحي الذاري
في ظل الأوضاع الراهنة، تصبح التحليلات الموضوعية والشاملة ضرورية لفهم مالا يُقال وما يُخفى وراء الخطابات الرسمية والتجمعات الدبلوماسية، خاصة في قمة الرياض والعراق والقاهرة، التي تعقد في خضم التكتلات الدولية والأحداث العدوانية التي تعبث بمنطقتنا، والتي لا تزال تشهد جرائم حرب إبادية، وتطهير عرقي، وتهجير قسري، وتدمير شامل لمقومات الحياة في قطاع غزة.
إن ما يجري في غزة من مجازر وتدمير يشكل نموذجًا صارخًا على تواطؤ دولي وعجز عربي عن تحمل مسؤولياته التاريخية، فالمواقف الضعيفة، والخطابات التي تكرر ذاتها دون فعل حقيقي، تؤكد أزمة أخلاقية وسياسية عميقة في منظومة المنطقة، حيث لم تستطع قمة عربية أو إسلامية أن تتخذ خطوات فعالة أو حتى محدودة لإيقاف المجازر، بل كانت غالبًا مجرد محاولات للتعبير عن الاستنكار، دون القدرة على تقديم حلاً عادلًا أو حتى حماية للمقدس من العدوان.
عجز القمم العربية المتعاقبة عن تجاوز مرحلة المراوغات والمواربة، يُظهر أن قيادات المنطقة تعيش حالة من التخلي عن المسؤولية، وتبحث عن مجاملات مهما كانت محدودة أو ذات نتائج مؤقتة، بدلًا من استنهاض الأمة وإعادة توحيد الصفوف لمواجهة التحديات الكبرى. وتؤكد الأحداث أن التنافس والخيانة والخلافات الداخلية، أذلّت وأفقدت العرب القدرة على فعل شيء يُذكر في وجه المحتل، الذي يتصرف بحرية مطلقة، مدعومًا من قوى عالمية تتصارع على النفوذ، في حين يظل العرب يبحثون عن لغة تفاهم غير قادرة على إنهاء مأساة الشعب الفلسطيني.
إن تكرار انعقاد القمم، والبيانات الرسمية، والحوارات الطويلة، لا يُغير من حقيقة أن الواقع يؤكد عجزًا مخيفًا، وأن غياب وحدة الرؤية، وفشل القيادة العربية في تبني مواقف واضحة وموحدة، هو سبب رئيسي في استمرار المأساة. الحل لا يكمن في الشعارات أو في الاستنكار، وإنما في اعتماد مواقف واضحة تُجسد إرادة حقيقية في الدفاع عن حقوق الإنسان، ورفض الاحتلال، وتقديم دعم فعلي للمقاومة، بشكل ينعكس على سياسات الحالة العربية، ويعيد للأمة مكانتها في مواجهة العدوان والاحتلال.وفي الوقت الذي تتواصل فيه المجازر، لا تزال الأمة العربية تعيش موجة من اليأس، ومشاعر الخيانة، والتفرقة، أمام مشهد عجز قادتها عن تحمل مسؤولياتهم التاريخية. إذ بتنا أمام واقع مؤلم، تؤكد فيه الأحداث أن تراجعات الحكام والانقسامات الداخلية، قد أوصلت المنطقة إلى حالة من الفوضى المستعصية، التي قد تسمح للعدو بحرية أكبر، وتدمر بشكل كامل مقومات حياة الشعوب، وتترك الأجيال القادمة أمام مستقبل غامض من الهزائم والخيانة. إن عدم اتخاذ مواقف حاسمة وموحدة، يؤكد أن الحل الحقيقي يكمن في إعادة توحيد الصف العربي، وتفعيل العمل الجماعي، والابتعاد عن المصالح الشخصية، التي أغرقت المنطقة في مستنقعات الخيانة والانقسام، وتركز على قضايا الأمة المصيرية، لتكون النهاية بداية لتاريخ جديد يليق بتضحيات الأبطال، ويعيد للعربية مكانتها أمام العالم.